بين السما والأرض

بين السما والأرض

0 المراجعات

الفصل الأول – البداية

اسمي يونس.

من وأنا صغير، كنت دايمًا بحس إني غريب في بيتنا…

أنا مش فاكر يوم اتقالّي فيه "أحسنت" ولا حتى "احنا فخورين بيك يا يونس".

كل حاجة كنت بعملها كانت بتعدي كأنها ما حصلتش.

عكس أخويا بالظبط، اللي لو قال صباح الخير، العالم كله بيصفق له.

أنا نظري ضعيف… أيوه، بنضارة سميكة، ووشّي دايمًا متغطي بالكدمات.

جسمي مش بينمو زي باقي العيال، وده كان بيخليني أبان أصغر من سني بكتير.

وكنت دايمًا بلعب لوحدي، أقعد على الرصيف، أراقب الناس، وأسأل نفسي:

“هو أنا فعلًا أقل؟ ولا هم اللي مش شايفيني؟”

في المدرسة، كنت متفوق.

مش علشان حد ساعدني… لا، ده كله كان بمجهودي.

بس عمر ما اسمي طلع في الإذاعة، ولا جالي شهادة زي باقي العيال.

النتيجة دايمًا كانت بتتلعب، وكنت دايمًا أطلع برّه الصورة.

أفتكر يوم ما كنت الأول بجد، والمدرس كتب اسم واحد تاني بدل مني.

ضحكت… عارف ليه؟

علشان كنت متعود.

في البيت، الضرب كان عادي، والصوت العالي أكتر من السلام.

بس كنت بستخبى… مش تحت السرير،

كنت بستخبى في الدعاء.

كنت كل ليلة أقول:

"يا رب، لو مافيش حد شايفني، شوفني إنت.

ولو مافيش حد مصدقني، صدقني إنت."

أنا مش عارف ديني إيه بصراحة…

بس كنت بحس إن في حاجة فوق، حاجة سامعاني…

وكل ما كنت بدعي، كنت بحس إن قلبي أهدى،

وإني مش لوحدي، حتى وأنا وحيد.

وأنا في ابتدائي، كان عندي حلم بسيط:

أجيب شهادة، أفرح بيها، وأخليهم يقولوا لي "برافو".

بس الحلم ده، كان بيضيع كل سنة، في زحمة "مش مهم" و"أخوك أولى".

بس برغم ده…

كنت دايمًا أقوم،

أنفض الغبار من على كتافي،

وأكمل.

 

الفصل التاني:

عدت السنين، ودخلت الإعدادية،

بس ولا حاجة اتغيرت غير عدد الدروس،

وعدد الصفعات اللي كنت باخدها لو نسيت أجيب العيش أو اتأخرت عن البيت.

كنت ماشي في المدرسة كأني شبح…

الكل بيعدي جنبي كأنهم مش شايفيني،

إلا واحد…

مهاب.

مهاب كان ولد من النوع اللي بيضحك والمدرسين يضحكوا معاه،

يغلط ويعدّي…

وأنا لو اتكلمت، الكل يسكت كأني جريمة اتكلمت.

في يوم، الأستاذ طارق قال:

“اللي يحل السؤال ده، ليه جايزة.”

كنت حافظ الدرس بالحرف…

ورفعت إيدي، قلبي بيدق، مش من الخوف… من الأمل.

لكن طارق بص لمهاب، وقال له: “قول إنت يا نجم.”

ومهاب قال أي كلام…

ضحكوا…

وهو خد الجايزة.

رجعت بيتي، وأنا ساكت…

بس جوايا نار.

أنا مش أقل…

أنا عارف إني أذكى، وأحسن، وأحق…

بس صوتي مش مسموع.

أكتر حاجة كانت بتوجعني مش التفرقة…

كانت الابتسامة اللي بشوفها على وشوشهم لما أتعثر.

وأكتر كلمة بتتردد جوا دماغي كل ليلة كانت:

“يا رب، إمتى ييجي يومي؟”

بس اللي ماكانوش يعرفوه،

إن كل حاجة كنت ببلعها…

كانت بتبني جوايا جبل.

كنت بقعد أذاكر ليل نهار،

مش علشان أنجح في الامتحان…

كنت بذاكر علشان أهرب.

أهرب من نظرات الناس، من صوت أمي وهي بتقول "شوف أخوك"،

ومن كل مرة اتقال لي فيها "إنت مالكش لازمة".

وفي يوم…

وأنا قاعد في الفصل،

لقيت الأستاذ بيقول:

“في مسابقة للمقال، واللي هيكسب، اسمه هيتعلق على حيطان المدرسة.”

المسابقة دي كانت بالنسبالي حرب.

قعدت أسبوع كامل أكتب، وأمسح، وأعيد،

أحط وجعي في كل سطر،

وأكتب عن الظلم، عن الطفل اللي بيتنسى،

اللي نفسه حد يفتكره حتى لو مره.

وسلّمت المقال، وأنا مش مستني حاجة…

بس اللي حصل بعد كده،

ماكنش في خيالي أصلًا…

 

الفصل التالت :

النتايج طلعت…

وكنت راجع من المدرسة ماشي ورا الحيطة كالعادة.

قلبي بيخبط في صدري كأني شايل بركان،

بس مش مستني حاجة… اتعودت إن التعب بيروح في الهوا.

لقيت واحد من زمايلي بيجري ورايا بيقول: “يونس! تعال بسرعة… اسمك مكتوب!”

وقفت.

“اسمي مكتوب؟ فين؟”

“على الحيطة الكبيرة اللي عند مكتب المدير… اسمك مكتوب في أول سطر!”

مشيت ناحيتهم برجلي بتتهز…

لحد ما شُفته بعيني:

“المركز الأول في مسابقة المقال – الطالب يونس عبد الرحمن”

وقفت قدام اسمي كأني واقف قدام حد بعشقه،

أول مرة أحس إني موجود…

إني اتشوفت…

إني مش شفاف زي ما كانوا شايفيني.

بس… فرحتي اتكسرت لما دخلت البيت.

“كسبت أول مركز، يا ماما!”

ردت من غير ما تبصلي:

"كسبت في إيه؟ المقالات مش بتشبع.

روح شوف أخوك، نجح في الرياضيات بامتياز."

أبويا حتى ما رفعش عينه من الجريدة.

كأني قلت خبر عن حد تاني مش أنا.

أنا مش بس كنت لوحدي في المدرسة،

أنا كمان كنت غريب في بيتي.

كل مرة كنت بسأل نفسي:

"هم ليه عمرهم ما قعدوا معايا؟

ليه ولا مرة سألوني: بتحب إيه؟

ولا حتى قالولي: إحنا بنصلي كذا، بنصوم كذا… ده دينك."

أنا مش عارف ديني…

لأني ماحدش عرفني عليه.

مافيش حد مسك إيدي، قاللي: “تعال يا بني، نقرا سطر من القرآن سوا.”

مافيش مرة أبويا خدني الجامع،

ولا أمي قالتلي: “ادعي ربنا قبل ما تنام.”

بس أنا كنت بدعي…

بدعي من غير ما أعرف كل حاجة.

قلبي هو اللي علمني.

كنت بليل أبص للسقف وأقول: "يا رب…

أنا عارف إنك شايفني، حتى لو هما مش شايفني."

في اللحظة دي، خدت قرار.

أنا مش هستناهم يفتكروني…

أنا اللي هصنع نفسي، بإيدي.

 

الفصل الرابع :

 تعدي السنين وادخل الثانوية واخلص الصف الاول و الثاني ولكن في تلقاه بعد النتيجة…

كل زمايلي كانوا بيحضنوا أهاليهم.

الصور اتنشرت على الفيس،

بوستات:

“ابني جاب ٩٠٪ رغم الظروف، فخور بيك!”

“بنتي هتبقى دكتورة، الفرحة ما تخلصش.”

وأنا؟

ولا صورة…

ولا كلمة.

أمي طلعت تشتري خضار،

رجعت قالتلي:

“الست أم مازن بتقول ابنها هيخش هندسة، طب وإنت؟”

قلت لها:

“أنا ممكن هندسة بردو.”

ردت وهي بتفتح الكيس:

“يا عم سيبك… ربنا يسهل وتشتغل في محل أحسن.”

ضحكت…

بس مش من قلبي.

 

دخلت كلية هندسة حكومية.

طبعًا بمصاريف كأنها نار،

بس مافيش حد مهتم،

كنت بشتري كتب مستعملة من واحد عند محطة القطر.

دخلت أول محاضرة،

وأنا ماسك ورقة عليها الجداول،

شكلي مختلف عن الكل، هدومي باهتة، شنطتي مقطعة من الحبل.

المكان كبير… والناس متزوقة.

ضحكاتهم… بصاتهم…

كله بيقوللي:

“إنت غريب عننا.”

قعدت في آخر الصف،

واحد جنبي نقل مكانه،

واحدة وشوها اتعدل لما شافتني… زي اللي شافت شبح.

بس أنا؟

كنت متعود.

الموضوع بقى جزء مني.

بقيت أنزل الكلية، أرجع الشغل،

اشتغلت عامل نظافة في مطعم.

كنت بمسح ترابيزات ناس كانوا معايا في المدرسة.

كانوا يقولولي:

“إنت دخلت الكلية؟ طب إزاي؟”

وهم بياكلوا… وأنا بمسح تحت رجليهم.

واحد فيهم قالها بصوت عالي: “بس بردو النظافة شغلانة شريفة.”

ضحكوا… وأنا ضحكت معاهم.

بس قلبي؟

كان بيتقطع.

 

كنت بنام ساعة، واصحى أذاكر.

أول ما تخلص المحاضرات… أطلع أشتغل.

ولما ييجي آخر الشهر… ما أكملش إيجار السرير في الأوضة.

أيوه، أنا كنت مأجر سرير… مش أوضة.

فيه ٦ عيال زيي، كل واحد ليه ٦٠ سم في ١٨٠.

بس كنت دايمًا بقول لنفسي:

“ما أنا أحسن من اللي في الشارع.”

 

كبرت وأنا مش مستني حد يحبني.

بقيت بحب نفسي كفاية.

حتى وإن كان صوتي بيتكسر وأنا بقول: “أنا تمام.”

بقيت بضحك عاللي بيحصل،

بس جوايا صوت بيصرخ:

“إنت مش لوحدك… صح؟”

بس الحقيقة… كنت لوحدي جدًا.

مفيش حبيب،

مفيش ضهر،

مفيش حتى ربّت على الكتف تقوللي: “إنت كويس كده.”

لكن كل ده كان بيزود نار جوايا…

نار ساكتة،

نار بتقوللي:

“لسه يا يونس… قدّامك المشوار… ومش هتقف غير على رجلك.”

 

الفصل الخامس:

أنا عارف إن الدنيا مش سهلة، ومفيش حاجة بتيجي بالساهل.

بس اللي اتعلمته من كل اللي مريت بيه، إن الصبر مش بس انتظار، الصبر فعل، قرار، ونضال.

رجعت أوضتي بعد يوم طويل في الكلية، والهموم كانت ملحة، بس جوايا حاجة مش بتسيبني أستسلم.

الستة الشباب اللي معايا قاعدين بيتكلموا عن حياتهم، عن أحلامهم اللي ممكن تحققها، وأنا كنت ساكت، لكن مش مشاعري.

كنت بفكر: “الصبر مش ضعف. الصبر سلاح. ومهما الدنيا ضغطت، لازم أكون أنا اللي ماسك زمام حياتي.”

فجأة قلت بصوت عالي:

“مش هفضل كده، مش هسيب اللي حواليه يحددوا مين أنا.”

الناس بصتلي، وأنا حسيت إن الكلام ده جوايا مش بس كلام، دي حاجة حقيقية.

كان لازم أبقى أقوى من كل الظروف، وأثبت إن الإنسان ممكن يكسر كل الحواجز لو عزم.

مش الطريق سهل، ولا هينتهي بسرعة، بس أنا عارف إن الصبر والحكمة مع بعض ممكن يفتحوا لي أبواب ما كنتش بحلم بيها.

بقيت أذاكر أكتر، أشتغل بكل جهدي، وأحاول ألاقي فرص صغيرة تكبر مع الوقت.

كنت دايمًا بقول لنفسي: “لسه الرحلة طويلة، بس أنا مستعد.”

 

الفصل السادس:

 

الجامعة كانت زي ساحة معركة، بس المرة دي، أنا مش بس باحاول أعيش، أنا باحاول أفرض نفسي.

مش بس عايز أنجح في المحاضرات، لا، عايز الكل يشوفني، يحترمني، حتى لو ما كانوا فاهمينني.

كانت في جوايا ثقة غريبة، مش غرور بلا سبب، لكن ثقة بنيتها من كل المعاناة اللي مريت بيها.

أنا عارف إني مختلف، مش عشان شكلي أو وضعي، لكن عشان عقلّي وطموحي.

في أول أسبوع في الكلية، قابلت "منى" تاني مرة، كانت دايمًا مهذبة ولطيفة، وده خلاني أحس بحاجة غريبة، حاجة شبه الإعجاب، بس مع احترام عميق.

كانت بتدي لنفسي دفعة، وكأنها بتقول لي: “إنت مش لوحدك، ومكانك هنا.”

بس مش بس منى اللي كان موجود، كان في ناس تانية بتحاول تحطلي حواجز، أو تضحك عليا في ضهري.

لكن أنا ماكنتش هسمح لأي حد يهز ثقتي.

كل ما حد يقرب، كنت بظهر له إني مش محتاجهم، لكن في نفس الوقت، بطريقة مهذبة، بأخليهم يحسوا إني لي مكان.

ناس كتير كانت بتتردد بين الإعجاب باللي باعمله، والشك في قدراتي.

وده كان بيخليني أضحك في سري، لأنهم مش فاهمين إن أنا مش بس طالب عادي، أنا نجم في بداية مشواري.

وأول لما حد يشك في قدراتي، كان لازم أوريه العكس، بأسلوبي، مش بكلام فاضي.

كنت بحط لنفسي هدف: “تاني سنة، هبقى من أفضل الطلبة، مش بس بالكلام، لكن بالأفعال.”

وفي لحظة، وأنا ماشي في الكلية، حسيت بنظرة مختلفة، نظرة فيها احترام، مش بس ترحم أو شفقة.

دي كانت البداية، بداية يونس اللي مش بس بيصبر، لكن بيقدر يلمع، يفرض وجوده، ويخلي الكل يعرف اسمه.

 

الفصل السابع:

كنت ماشي في الجامعة، كل خطوة بحس إنها تحدي جديد.

مش بس علشان الكتب والمحاضرات، لكن علشان الناس اللي حواليّ.

ناس بتتفرج عليا، بتحكم من أول نظرة، ومش فاهمة إن اللي شايفاه مش كله الحقيقة.

أنا مش محتاج أقول كتير، بس عارف إزاي أخلي الكلمة اللي بتطلع مني توصل، تكون ليها تأثير.

في وسط الكلية، دايمًا فيه واحد أو اتنين بيحاولوا ينزلوا من شأني.

مرة واحدة منهم، اسمه كريم، جه وقاللي قدام الناس:

“أنت فاكر نفسك مين؟ الدنيا مش هتديك حاجة بالساهل.”

ابتسمت وقلت له:

“أنا مش فاكر نفسي حاجة، بس عارف أنا عايز إيه، وهاوصله مهما كانت الظروف.”

الكلام ده خلى الكل يصمت، بس عارف إن الكلام ده مش هيرضيهم، وهيدوروا على فرص تانية.

أنا مش هنا علشان أكون محبوب، أنا هنا علشان أكون ناجح، وده بيديني القوة أصبر وأكمل.

وبين الضغوط دي، كنت بلاقي في نفسي حتة من النرجسية، مش غرور، لكن ثقة بالنفس بحدود، بتخليني أتحكم في المواقف وأفرض وجودي بدون ما أجرح حد.

أنا مش محتاج حد يعطيني تقدير، أنا بعطيه لنفسي.

الناس حواليّ ممكن يشوفوا ده تعجرف، بس في الحقيقة، ده كان درعي، عشان أحمي نفسي من العالم اللي مش دايمًا طيب.

ومع كل يوم بيعدي، كنت بحس إن الصبر مش بس انتظار، ده سلاح، ده مفتاح يفتح لي أبواب جديدة.

الطريق مش سهل، وأنا عارف، بس حتى لو واجهت ألف عائق، أنا هفضل واقف، ماشي لقدام.

 

الفصل الثامن:

اليوم اللي كنت بحلم بيه من سنين طويلة وصل... يوم تخرجي.

وقفت قدام الناس، قدام زملائي وأساتذتي، وقفت وأنا شايف في عيونهم احترام وتقدير مختلف، مش بس عشان الشهادة اللي في إيدي، لكن عشان الرحلة اللي عديتها.

وقفت على المنصة، والميكروفون قدامي، والكل مستني يسمع مني كلام، وأنا كنت عارف إن اللحظة دي مش مجرد كلام، دي رسالة لكل حد عدى بظروف صعبة.

قلت بصوت واضح وثابت:

"مش النجاح في الشهادة اللي بتحصل عليها، النجاح الحقيقي هو اللي بيبدأ بعد ما تاخد الشهادة.

هو الصبر اللي علمنا إياه الليلة دي، والإصرار اللي ما نكسرش بيه إرادتنا، ده اللي هيخلينا نكون قادة مش مجرد موظفين.

افتكروا دايمًا إن الظروف مش حتحدد مصيركم، أنتم اللي بتحددوه.

وأنا هنا عشان أقول لكم: الطريق مش سهل، لكنه يستاهل كل تعب.

فخلي عندك حلم، وخلي عندك صبر، واشتغل على حلمك بكل قوتك."

الكلام ده خلا الكل يصمت شوية، والدموع كانت بتلمع في عيون ناس كتير.

بعد التخرج، ما استنيتش وقت طويل، بدأت أشتغل على حلمي.

فتحت أول شركة هندسية صغيرة، كانت بتقدم حلول مبتكرة، وكنت حريص إني أخليها شركة بتميزها في الجودة والاحترافية.

مع الوقت، الشركة كبرت، وفتحت فرعين في مدينتين كبار، وبدأنا نكسب سمعة طيبة في السوق.

مش بس كده، كنا بنقدم خدماتنا في مشاريع ضخمة، وده خلانا نبدأ نفتح أبواب في القارة كلها.

مشروع تلو التاني، وابتكار ورا ابتكار، لحد ما بقينا شركة عالمية اسمها بيلمع في كل مكان.

كل خطوة كنت باتخذها، كنت فاكر اللي اتعلمته: الصبر، التركيز، وعدم الاستسلام.

مش بس كده، الشركة بقيت بتوظف آلاف الناس، وبتأثر في حياة ناس كتير، وده كان أكبر نجاح ممكن أحسه.

وفي وسط كل ده، كنت دايمًا بقول لنفسي: “النجاح الحقيقي مش في المال أو الشهرة، النجاح الحقيقي هو في الفرق اللي بتعمله.”

 

أنا دايمًا كنت بحلم، مش بحلم عادي، حلم مختلف، حلم كبير.

الحلم ده بدأ كفكرة بسيطة، فكرة ممكن تغير كل حاجة.

في وسط كل الظروف والصعوبات، فكرت: “ليه ما أعملش حاجة ليّ، حاجة تمثلني، حاجة أقدر أقول عليها دي ملكي.”

بدأت أشتغل على الفكرة دي، بكل جهدي، بدون أي ضمانات، مجرد إيمان وصبر.

خلال شهور، الفكرة اتطورت، بقت مشروع صغير، مشروع كان مليان تحديات، بس كمان مليان أمل.

المشروع نجح، ونجاحه فتح لي الباب أوسع، الباب اللي خلى عندي شركتي الخاصة.

شركتي ما كانتش بس مكان شغل، دي كانت تعبير عني، عن شخصيتي، عن حكمة وصبر السنين اللي عدت.

كنت باختار كل خطوة بحكمة، بعناية، وأعرف إزاي أواجه كل مشكلة بتطلع.

ومع الوقت، الشركة كبرت، وبقيت علامة مميزة في مجالي، وبقيت لي كارييرتي الخاصة اللي أفتخر بيها.

الحلم اللي بدأ بسيط، تحول لحقيقة عشتها كل يوم، وصرت بعيشها بكل فخر.

ده مش بس نجاح، ده قصة صبر، عزيمة، وإصرار على تحقيق الذات.

 

🖋 الفصل التاسع:

“قبل ما الوقت يفوت”

الناس كانت بتشوفني ناجح… شايفيني صاحب شركة كبيرة، رجل أعمال لامع، وعندي كل اللي أي حد بيتمناه.

بس محدش كان يعرف إني كنت باتسابق مع الزمن…

محدش كان يعرف إن الدكتور قالّي من سنة:

“يا يونس، عندك مرض نادر... للأسف مالوش علاج.”

فضلت ساكت… ساكت عن ألمي، عن الوجع اللي في جسمي وقلبي.

ما كنتش عايز الناس تشفق عليّا، ولا كنت عايز ولادي يشوفوني ضعيف…

كنت عايز أسيب لهم صورة الأب اللي ما استسلمش، اللي عاش حياته بيواجه، وبيكمل، وبيحلم… لحد آخر نفس.

رغم كل ده… ما بطّلتش أشتغل، ما بطّلتش أحلم.

كنت باصحى كل يوم أقول لنفسي:

“لو النهارده آخر يوم، عيشه صح.”

زرعت خير، ساعدت شباب كتير، عملت حملات تبرّع، وكنت بدّي من قلبي… مش عشان أتشهّر، لأ…

عشان أحس إني لسه عايش.

وفي يوم من الأيام، وأنا قاعد في مكتبي، كتبت جملة وعلقتها قدامي:

> “النجاح مش إنك تعيش أطول… النجاح إنك تعيش أثر.”

 

ومن يومها، قررت أكتب رسالتي…

رسالة لأولادي… ورسالة لأي حد هيقرأ حكايتي.

 

 

🖋 الفصل العاشر:

“الرسائل الأخيرة”

الراوي:

يونس توفّى شاب… بعد ما غيّر حياة ناس كتير، وعلّم جيل كامل إن الحلم مش بعيد، وإن الضعف مش نهاية، وإن الفقر مش عيب…

بس قبل ما يغمض عينه الأخيرة، ساب رسالتين.

✉️ الرسالة الأولى لأولاده:

> "ولادي… يمكن أنا مشيت بدري، بس أنا فخور بكل لحظة كنت فيها أبوكم.

ما تفتكروش إني سبتكم… أنا جوه كل خطوة هتاخدوها، جوه كل نجاح هتوصلوا له، جوه كل دمعة هتنزل منكم وتقوموا بعدها.

افهموا الحياة على إنها مدرسة، والوجع فيها أستاذ، وكل تجربة هتعلّمكم…

اتمسكوا بدينكم، ما تخافوش من الفشل، خافوا بس من إنكم توقفوا.

وما تنسوش… أبوكم كان زمان طفل بيتنمّروا عليه، والنهارده بقى اسم يتقال بفخر.

ما تستسلموش لليأس… لأن كل واحد فيكم، جواه يونس جديد."

 

 

✉️ الرسالة الثانية للقارئ:

" قالولي مش هتقدر بس قدرت، قالولي مش هتعرف تكمل بس كملت مش ضروري الناس تشوفك ازاي المهم انت شايف نفسك ازاي 

 "أنت اللي بتقرأ دلوقتي… شكلك كنت محتاج تسمع اللي جاي.

أنا مش بطل، أنا واحد زَيّك… تعبت، بكيت، وقعت، واتمنيت حاجات كتير.

بس الفرق إني ما سبتش حلمي، فضلت أجرى وراه حتى وأنا بتألم.

لو بتحس إنك لوحدك، فاعرف إن فيه ناس زيي كانوا بيحسوا نفس الإحساس.

لو بتفكر تستسلم، افتكرني… أنا اللي كان عندي كل سبب أستسلم، بس ما عملتش كده.

خد من حكايتي عبرة… مش علشان تمجّدني، لا…

علشان تفهم إنك تقدر، إنك مهم، وإن وجودك في الدنيا ليه معنى.

متخلّيش أي حد يطفّي نورك… حتى لو العالم كله ظلمة.

وبالنسبة لي… لو حكايتي خلتك تبكي، يبقى أنا ما متّش."

النهايه……………

 

أكتب لكم الآن وأنا في قمه الفخر بكل إنسان كافح وجري ورا حلمه زي يونس بالظبط…

مش بس عشان يونس مر بصعوبات وعاش كتير وفي الاخر بردو الدنيا مفضلتش ضحكاله ،

لكن عشان كنت حاسّة بيه من أول سطر…

كنت شايفة نفسه الطويل وهو بيجري ورا حلمه،

وسامعة قلبه وهو بيقول “أنا لسه هنا رغم كل حاجة.”

يونس ما كانش مجرد شخصية.

كان صديق.

وكان أمل… لأناس فقدوا الأمل.

وكان دليل… إن الوجع ممكن يخلق حاجة عظيمة.

وآخر كلمتين هسيبهم ليكم مش ككاتبة، بس قبل أي حاجة… كإنسانة:

“لما تخلص الرواية، متقفلش الكتاب… افتح قلبك، وابدأ حكايتك مش مهم تكون بتمر بصعوبات خليك ديما فاكر إن ملايين زيك كانت ظروفهم اصعب وبرغم كده مسبوش حلمهم .”

 

 

الخاتمة 

الكتابة مش مجرد كلمات، الكتابة فعل وتصرف.

روايتي دي كتبتها عشان أوصل صوت اللي تعبوا وصبروا، صوت اللي ما استسلموش رغم الظروف.

الوداع مش سهل، خصوصًا لما تعرف إن في ناس كتير لسه بتكافح وبتواجه الصعاب.

أنا بشكر شخص واحد، كان سبب في ثقتي بنفسي، اللي وقف جنبي وقت ما كنت محتاجة دعم.

دي مش نهاية، دي محطة في رحلة طويلة لازم نكملها بصبر وقوة.

لو قررت تمشي، خليك قوي، وخليك دايمًا فاكر إن الصبر هو اللي بيخلينا نكمل رغم كل حاجة.

 

 

أمل محمود

A M

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة