"حين يتنفس القلب حبا"

"حين يتنفس القلب حبا"

0 المراجعات

 

في زقاق قديم تفوح منه رائحة الخبز والقهوة، كانت “ياسمين” تعيش حياة هادئة، تعمل في محل لبيع الورود ورثته عن والدها. لم تكن تصدق أن للحب قدرة على أن يقلب حياة إنسان رأسًا على عقب، حتى ظهر “آدم” ذات صباح بملامحه الهادئة وقميصه الأبيض الذي يشبه قلبه.

دخل متجر الورود بخطوات خجولة، وقال بصوت منخفض:
“أريد باقة… ليست مزينة كثيرًا، فقط صادقة مثل شخص أهديها له.”

لم تكن ياسمين تعرف لمن سيُهدي تلك الباقة، لكنه ظل يعود مرة بعد مرة، يطلب وردة تلو الأخرى، حتى تحولت طلباته إلى ما يشبه رسائل حب غير مباشرة. لم يسأل أبدًا عن أسعار الورود، كان يُبقي عينيه عليها وينصرف بابتسامة تترك خلفها ألف سؤال وسؤال.

مرّت الأيام، واعتادت ياسمين ظهوره حتى أصبحت تنتظره دون أن تشعر. كانت تُنكر ذلك على نفسها، لكنها في كل مرة تسمع فيها صوته على باب متجرها، كانت روحها ترتبك وكأنها أول مرة تراه.

في أحد الأيام الماطرة، لم يأتِ آدم. انتظرت حتى أغلقت الأبواب وجلست بين أزهارها الذابلة وقلبها يذبل معها. في اليوم التالي عاد ومعه وردة مختلفة، ليس من متجرها، بل من حقول بعيدة. مدّها نحوها وقال:

“هذه من أجلك… لقد أدركت أن كل الورود التي اشتريتها من هنا لم تكن سوى محاولات لأقول شيئًا واحدًا لم أجرؤ عليه.”

نظرت إليه بصمت، وربما كان ذلك الصمت أبلغ من الكلام.

تابع وهو يضع الوردة في شعرها:
“ياسمين… أريد أن تكون قصتي معك أجمل من كل القصص التي نقرأها أو نبيعها. هل تسمحين لي أن أزرع وردة في قلبك، لا تذبل أبدًا؟”

ابتسمت ياسمين، وأحسّت لأول مرة أن متجرها الضيق صار أوسع من الدنيا.

ومنذ ذلك اليوم، لم تعد الوردة مجرد وردة، ولا المطر مجرد مطر… بل صار كل شيء في حياتها دلالة على حب وُلد بصمت، ونما بلطف، وازدهر في قلبين جمعتهما الصدفة،مرّت شهور عدّة منذ أن زرع آدم تلك الوردة في شعر ياسمين… لكنّها لم تذبُل قط.
كانت كل صباح تُزيّن متجرها بابتسامة، وتخبئ قلبًا يخفق باسمٍ واحد. أما هو، فصار ظهوره جزءًا من روتين المكان، يشبه فتح الأبواب أو ترتيب الورد على الرفوف.

في أحد الأمسيات، بينما كانت تُغلق المحل بعد يوم طويل، وجدت أمام الباب رسالة صغيرة مربوطة بشريطٍ أحمر، كُتِب عليها بخطٍ يشبه نَبض القلب:

> “استعدّي للغد… فالحبّ أحيانًا يحتاج شجاعة أكبر من أن نُخفيه في وردة.”

 

قضت الليلة لا تعرف النوم إلى عينيها طريقًا، وبين الخوف والفرح كانت تتساءل:
هل سيبوح؟ أم سيختفي كما ظهر ذات صباح؟

وفي اليوم التالي، جاء آدم. لم يكن يحمل وردة هذه المرة، بل ارتدى بذلة أنيقة، ووقف وسط المحل بشيء من الارتباك، وطلب منها:

— هل تخرجين معي قليلًا؟

لم تنتبه ياسمين إلا وهي تقف بجانبه في الزقاق، حيث رائحة الخبز والقهوة، لكن المكان بدا مختلفًا… كان هناك خيط من المصابيح الصغيرة يعلو الزقاق، والكراسي الخشبية القديمة صُفَّت كما لو أنّها مسرح صغير لقصة حب تُروى أمامهما فقط.

تقدّم آدم خطوة، وانحنى قليلًا، ثم فتح علبة مخملية تحتوي على خاتم ناعم تلتف حوله وردة صغيرة من الفضة.

— “ياسمين، كل الطرق التي مشيتها قادتني إليك… هل تسمحين لي أن أزرع باقي عمري في قلبك، كما زرعت قلبي في عينَيْك؟”

لم تستطع أن تنطق، فالعبرة شدت حنجرتها، واكتفت بأن تمد يدها المرتجفة نحوه… فوضع الخاتم برقة، بينما تهطل أمطار خفيفة تُنذر بفصل جديد.

ومنذ ذلك اليوم لم تعد ياسمين بائعة ورد فقط…
بل صارت هي الوردة التي يبحث عنها الجميع، ويبتسمون كلّما مرّوا قرب متجرها، حيث تُعلّق لوحة صغيرة تقول:

> “هنا، حيث وُلِد الحبُّ بين وردة وخجل.”

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة