"قلب من زجاج "

"قلب من زجاج "

0 المراجعات

في بلدة صغيرة محاطة بالجبال والبحيرات، عاشت "ماريا" فتاة هادئة تعمل صانعة زجاج في ورشة ورثتها عن جدها. كانت موهبتها مدهشة؛ تصنع تماثيل زجاجية كأنها حية، حتى أن الغرباء كانوا يأتون من أماكن بعيدة لرؤية أعمالها. لكن ما لم يعرفه أحد أن ماريا لم تكن تصنع تلك التماثيل بمهارتها فقط… بل بقوة سرية لا يراها الناس. عندما تلمس الزجاج بيديها، يسمع قلبها صوتًا خافتًا يخبرها كيف تعطيه الحياة.

ذات صباح ممطر، دخل رجل غريب إلى الورشة. كان طويل القامة، يرتدي معطفًا رماديًا وعيناه تشعان بلون أزرق بارد، لكن نظرته دافئة بشكل غير مألوف. قال بهدوء: "أريد منكِ أن تصنعي لي قلبًا من زجاج." تعجبت ماريا وسألته: "قلبًا؟ لماذا؟" أجاب بابتسامة غامضة: "لأن قلبي لم يعد يعمل كما ينبغي." لم تفهم قصده، لكن شيئًا في صوته جعلها توافق بلا نقاش.

ظل الرجل، واسمه "إلياس"، يزور الورشة كل يوم ليتابع تقدم عملها. كان يحكي لها قصصًا غريبة عن مدينة بعيدة خلف الجبال، مدينة لا يظهر فيها النهار إلا ساعة واحدة كل أسبوع. روى لها أنه يبحث عن شيء ضائع منذ سنوات، شيء إذا وجده سيحرر قلبه من لعنة قديمة. مع مرور الأيام، بدأت ماريا تشعر بانجذاب نحوه لا تستطيع تفسيره، وكأنها تعرفه منذ زمن بعيد. وكان كلما ابتسم، يذوب الجليد الذي حول قلبها.

حين أنهت صنع القلب الزجاجي، وضعه إلياس بين يديه وقال: "هذا ليس مجرد زجاج… أشعر أنه ينبض." لكن في اللحظة نفسها، انكسر صمت الورشة، إذ ظهر رجل آخر يرتدي عباءة سوداء، عيونه تلمع كالليل. قال بصوت أجش: "لقد وجدتك أخيرًا، أيها الهارب." فهمت ماريا أن إلياس ليس إنسانًا عاديًا. أمسك بيدها وصاح: "اركضي!" وخرج بها إلى الشوارع تحت المطر، بينما كان الغريب الأسود يلاحقهما.

هربا حتى وصلا إلى بحيرة مهجورة، وهناك كشف إلياس الحقيقة: "أنا آخر من بقي من شعب قديم يسمّى حَمَلة القلوب الزجاجية. هذه القلوب تحفظ أرواحنا من الفناء. لكن هناك من يريد سرقتها ليملك قوتنا… والرجل الذي طاردنا أحدهم." شعرت ماريا بالخوف، لكن عينيه كانتا صادقتين، فعاهدته أن تساعده.

قادها إلياس إلى بوابة حجرية مخبأة في الجبل، وحين لمسا الحجر معًا انفتح الطريق إلى عالم آخر مضاء بألوان عجيبة، حيث الأشجار شفافة والأنهار تتوهج كالبلور. في هذا العالم بدأ قلب ماريا يخفق بسرعة غريبة، وأدركت أن هناك قوة داخلها تستيقظ — فهي ليست مجرد صانعة زجاج ماهرة، بل من نسل نادر يستطيع منح القلوب الزجاجية روحًا حقيقية.

في أعماق هذا العالم، وجدوا المعبد الذي يحفظ قلب إلياس الأصلي. لكن الرجل ذو العباءة السوداء سبقهم إليه، وأمسك القلب في يده مهددًا بتحطيمه. صرخت ماريا: "إذا حطمته سيموت!" فأجاب الخصم: "هذا قدركما. الحب يجعلكما ضعيفين."
في تلك اللحظة أدركت ماريا أن قوتها الحقيقية ليست في الزجاج بل في قلبها. مدت يديها فاشتعل الضوء من بين أصابعها، وظهر قلب جديد من النور، أكبر وأقوى من القلب المسروق. اندمج هذا القلب مع قلب إلياس، فاستعاد قوته وانهارت لعنة الرجل الأسود، الذي اختفى كالرماد.

عندما عادا إلى عالم البشر، لم تعد الورشة كما كانت — كل شيء فيها كان يلمع كأنه حي. ابتسم إلياس وقال لها: "أنتِ لم تمنحي قلبي الحياة فقط… لقد منحتِ حياتي معنى." احتضنته ماريا والدموع في عينيها، وعرفت أن الحب الحقيقي ليس مجرد شعور، بل قوة تصنع المعجزات.

ومنذ ذلك اليوم، إذا مر أحد قرب الورشة ليلاً، يرى ضوءًا أزرق دافئًا يشع من الداخل، ويقسم أنه يسمع قلبين ينبضان معًا… قلبًا من لحم ودم، وقلبًا من زجاج يضيء بالحب.
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

8

متابعهم

4

متابعهم

1

مقالات مشابة