
رومانسية علي مقاعد الدراسة
رومانسية علي مقاعد الدراسة
بين جدران الجامعة كانت قاعة المحاضرات تغص بالطلاب في أول يوم من الفصل الدراسي الجديد.
"ليان" جلست في الصفوف الأمامية، كما اعتادت دائمًا، دفترها مفتوح وقلمها يستعد لكتابة كل كلمة. عُرفت بين زملائها بالجدية والهدوء، لم تكن من النوع الذي يتكلم كثيرًا أو يسعي خلف الأضواء، بل كانت تركّز على هدفها: وهي أن تتفوق وتحقق حلمها بأن تصبح طبيبة.
في الجهة الأخرى من القاعة، جلس "آدم"، الشاب الذي يعرفه الجميع بوسامته وثقته المفرطة. لم يكن طالبًا فاشلًا، لكنه لم يهتم يومًا بالمظاهر الدراسية كما يجب. كان يعتمد على ذكائه وسرعة استيعابه، فينجو دائمًا بدرجات مقبولة من دون أن يبذل الجهد الكبير الذي يبذله الآخرون.
حين دخل الأستاذ وأعلن عن مشروع جماعي، بدأ الطلاب يلتفتون إلى بعضهم البعض لاختيار شركائهم. ليان، كعادتها، لم ترغب في الدخول بعلاقات جديدة، فأرادت أن تعمل مع صديقتها. لكن المفاجأة أن الأستاذ قال:
“سأقوم أنا بتقسيم المجموعات، لتتعلموا كيف تتعاونون مع شخصيات مختلفة.”
توقفت أنفاس ليان لثوانٍ حين نطق الأستاذ باسمها مقترنًا باسم آدم. رفعت رأسها ببطء لترى نظرات زملائها المليئة بالدهشة، وبعض الهمسات التي لا تخلو من السخرية: "المجتهدة مع المستهتر".
بداية الصدام
بعد انتهاء المحاضرة، اقترب آدم منها بخطوات واثقة، وابتسامة ساخرة تعلو شفتيه:
“يبدو أننا أصبحنا شركاء... لا تقلقي، سأحاول ألا أكون عبئًا عليك.”
ردّت ليان ببرود وهي تغلق دفترها:
“لا أريد المجاملات، فقط خذ المشروع بجدية. لا وقت لدي لأتعامل مع الاهمال.”
ضحك آدم قليلًا وقال:
“تمام، يا دكتورة المستقبل.”
بدأ الاثنان العمل معًا، لكن الاختلاف بينهما كان واضحًا. ليان منظمة، تضع خطة تفصيلية لكل خطوة، بينما آدم يميل إلى الارتجال ويؤمن أن الإبداع يولد من الفوضى. في البداية، تسببت هذه التناقضات في مشاحنات متكررة، حتى أن ليان فكرت في الذهاب إلى الأستاذ لتغيير شريكها ادم. لكنها كانت تدرك أن هذه الخطوة ستُظهرها بمظهر الضعيفة.
نقطة التحول
في إحدى الليالي، اجتمعا في مكتبة الجامعة لتحضير الجزء الأهم من المشروع. جلست ليان مشغولة في قراءة المراجع، بينما انشغل آدم بترتيب الشرائح التقديمية على الحاسوب. بعد ساعات من الصمت، رفعت ليان رأسها وقالت:
“لم أكن أتوقع أنك تأخذ العمل على محمل الجد.”
أجاب مبتسمًا وهو ينظر إلى الشاشة:
“ولم أكن أتوقع أنك متشددة إلى هذه الدرجة... لكن، بصراحة، هذا يدفعني لأثبت لك أني لست مجرد شخص مستهتر.”
توقفت ليان عن الكلام لوهلة، وشعرت بشيء غريب يتحرك في قلبها. لم تعتد على أن يعترف أحد أمامها برغبته في إثبات نفسه لها. منذ تلك اللحظة، بدأت نظرتها لآدم تتغير.
خيوط خفية
مع مرور الأيام، أصبح التواصل بينهما أسهل. تبادلا المزاح أحيانًا أثناء العمل، وبدأ آدم يشاركها أفكاره بجدية. واكتشفت ليان أنه ليس بسطحي كما يظن الآخرون، بل يخفي وراء مظهره المرح عقلًا لامعًا وقلبًا حالمًا.
في إحدى الليالي، وبعد انتهاء اجتماع طويل، خرجا معًا إلى ساحة الجامعة. كان الجو باردًا والسماء مليئة بالنجوم. وقف آدم فجأة وقال لها بصوت خافت:
“تعرفين؟... أنتِ أول شخص يجعلني أرغب في أن أكون أفضل.”
ارتبكت ليان، قلبها خفق بقوة، لكنها تظاهرت بالتماسك:
“هذا مجرد مشروع، لا تبالغ.”
ابتسم آدم وقال:
“ربما... لكني أشعر أن المشروع الحقيقي هو نحن الاثنين.”
النهاية التي لم يتوقعها أحد
يوم العرض، وقفا أمام زملائهم والأستاذ. ألقى آدم كل
مته باحتراف، بينما دعمت ليان الشرح بالبيانات والمصادر. كان العرض متكاملًا لدرجة أن القاعة صفقت لهم بحرارة، حتى الأستاذ أثنى عليهم قائلاً:
“أنتم مثال على أن الاختلاف يمكن أن يصنع التميز.”
بعد انتهاء العرض، ابتسمت ليان أخيرًا بصدق وقالت لآدم:
“أعتقد أنني كنت مخطئة بشأنك.”
أجابها بهدوء:
“وأنا كنت أعلم منذ البداية أنكِ مختلفة... مختلفة لدرجة تجعلني لا أريد أن تنتهي هذه الشراكة أبدًا.”
وهناك، بين جدران الجامعة التي جمعت بين نقيضين، بدأت حكاية لم يتوقعها أحد. لم تكن مجرد قصة دراسة أو نجاح، بل كانت قصة قلبين وجدا في اختلافهما طريقًا للتكامل، ورسمًا لبداية حب يولد من حيث لا يتوقع الإنسان