المدينة التي لا تُرى  - حكاية اسر

المدينة التي لا تُرى - حكاية اسر

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات
image about المدينة التي لا تُرى  - حكاية اسر

 

المدينة التي لا تُرى – حكاية آسر

كان آسر يسير في شوارع المدينة المجهولة وهو يشعر أن كل شيء يراقبه. المحلات، المصابيح، حتى التماثيل الحجرية التي تصطف على جانبي الطريق كانت عيونها تتابعه.

بعد أن شرب من ماء النافورة وبدأ يسمع الأصوات، قرر أن يبحث عن تفسير. سار خلف الأصداء حتى قادته إلى مكتبة عملاقة أبوابها من البرونز. فتح الباب فاندفعت رائحة قديمة كأنها من زمن آخر.

دخل بين صفوف الكتب، فوجد مخطوطًا مفتوحًا على طاولة، مكتوبًا بلغة غريبة لكنها تُترجم تلقائيًا في ذهنه. كان عنوانه: "عهد المدينة".
قرأ فيه أن المدينة كانت يومًا ما حضارة عظيمة، أهلها سعوا للخلود. صنعوا ماءً سحريًا يوقف الشيخوخة، لكن الثمن كان قاسيًا: من يشرب منه يفقد جسده تدريجيًا ويصبح كيانًا ضوئيًا محبوسًا داخل حدود المدينة، يحرسها للأبد.

بينما يقرأ، شعر بأنفاس خلفه. التفت فجأة، فوجد امرأة بملامح شفافة تنظر إليه. كانت أجمل من أن تكون بشرية، لكنها لم تكن حقيقية بالكامل. ابتسمت قائلة:

"كنتُ يومًا مثلُك، اسمي ليان. حاولت الهرب… لكن المدينة لا تسمح لأحد بالخروج."

سألها آسر بلهفة: "هل هناك طريقة للنجاة؟"
فهمست: "هناك بوابة سرية تحت الساحة الكبرى، لا تُفتح إلا إذا وُجد من يملك إرادة أقوى من سحر الماء."

انطلق آسر معها عبر الأزقة. كلما تقدما، حاولت المدينة إيقافهما: الجدران تتحرك لتسد الطريق، المصابيح تنفجر، والأصوات في رأسه تصرخ: "ابقَ… لا تهرب…"

لكن آسر قاوم، يجرّ ليان بيده رغم أن جسدها كان يختفي شيئًا فشيئًا. أخيرًا وصلا إلى بوابة حجرية تحت الأرض، محفور عليها رمز يشبه العين.

وضع آسر يده على الرمز، فاشتعل بضوء أزرق. في تلك اللحظة، شعر بجسده ينقسم نصفين: نصف يريد البقاء مع الوهم الجميل في المدينة، ونصف آخر يصرخ بالنجاة.

سمع صوت ليان باكيًا:

"اخرج… لا ترتكب خطأي. حرّر نفسك… وإن استطعت، حرّرنا جميعًا."

كانت البوابة تتفتح ببطء، والمدينة كلها تهتز، كأنها لا تريد أن تخسره.

هنا كان على آسر أن يقرر:

  • إما أن يعبر البوابة ويعود إلى عالمه، لكنه يترك ليان وباقي الأرواح سجناء.
  • أو يبقى ليبحث عن سر أعمق قد يحررهم جميعًا… ولو كلفه حريته.

وقف آسر أمام البوابة الحجرية، والضوء الأزرق يزداد توهجًا حتى كاد يعميه. قلبه يتصارع بين الرحيل والبقاء، وبين حريته ونداء الأرواح التي التقاها.

لكن في لحظة حاسمة، تذكّر الصحراء، حياته، وأهله الذين قد لا يروه ثانيةً إذا استسلم. قبض على يده بقوة وصرخ:

"لن أُصبح سجينًا!"

اندفع بجسده نحو البوابة، والمدينة كلها بدأت تهتز كأنها تنهار. أصوات آلاف الأرواح ارتفعت من حوله، بعضها يصرخ في غضب، وبعضها يشجعه في خفوت: "اهرب… اهرب…"

بينما كان يعبر، شعر بقوة غريبة تحاول سحبه للوراء، لكن إرادته كانت أقوى. دفع الباب بكل ما تبقى فيه من طاقة، حتى سقط على الرمال الذهبية خارج المدينة.

رفع رأسه ليلتقط أنفاسه… لم تعد هناك مدينة. لم يبقَ خلفه سوى صحراء فارغة تمتد بلا نهاية، كأن شيئًا لم يكن.

وقف مذهولًا وهو يتساءل:
هل كانت المدينة حقيقة؟ أم مجرد وهم صنعه عطشه وتعبه؟
لكن حين نظر إلى كفه، وجد أثرًا أزرقًا متوهجًا ما زال يلمع… علامة لم تختفِ.

ابتسم بخفوت، وعرف أن المدينة لم تكن وهمًا. لقد نجا منها، لكن سرّها سيظل يطارده ما دام حيا ، وشرد ذهنه قليلا مفكرا ماذا لو كان لم يهرب !

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-