السماء لا تتسع لنا -الفصل التاسع عشر ( الكاتبة: علا ابراهيم)

السماء لا تتسع لنا -الفصل التاسع عشر ( الكاتبة: علا ابراهيم)

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

وقف فاروق بجوار سيدرا ينظر إليها بابتسامة واسعة، ابتسامة سعيدة صافية، لتبادله هى الأخرى ابتسامته بفرحة لا تقل عنها. كان والد سيدرا، السيد الأرجواني، يقف بجوار المأذون، وقد التفَّت العائلة جميعها حولهم؛ أدهم، وريناد، وحتى رمضان. البهجة كانت طاغية على الوجوه، والفرحة تكاد تُرى في العيون.

 

جلس فاروق بجوار والد سيدرا ليبدأوا بعقد القران. وما إن انتهى المأذون من كلماته حتى ارتفعت الصيحات والهتافات معلنة عن أسعد خبر: زواج فاروق القناوي، ذاك الاسم الذي يعرفه الجميع، والذي ستتناقله الصحف في صباح الغد، مصحوبًا بالصور التي ستنشر تفاصيل هذا الزفاف.

 

راقص فاروق سيدرا تحت أضواء الكاميرات والأنوار الساطعة، والابتسامات لم تفارق وجهيهما. كانت السعادة مرسومة عليهما بوضوح. اقتربت ريناد من أختها، وهمست بجوار أذنها بابتسامة مشاغبة:

ـ شوفتِ بقا؟ مش قلتلك إنه بيحبك أوى؟

 

التفتت سيدرا نحو فاروق بابتسامة فاخرة، لترى وجهه من بعيد وسط مجموعة من الشباب، وهو يضحك بصدق وكأن اليوم أسعد أيام حياته. أجابت ريناد، وعيناها معلقتان به:

ـ عارفة… وأنا كمان حاساه. طيب، عايزة أدي لنفسي فرصة يا ريناد.

 

ضحكت ريناد واحتضنتها بسعادة.

السماء لا تتسع لنا 

انتهى الزفاف، وبقي فاروق وسيدرا مع العائلة فقط: ريناد، روما، منى، أدهم، ووالد سيدرا. وبين الضحكات والمباركات الأخيرة، حمل فاروق زوجته بين ذراعيه وسط ضحكاتها الخجولة ، ودخل بها إلى الغرفة. أنزلها برفق، فرفعت يديها على كتفيه وأحاطتهما بحنان تهمس بشفتيها بدلع متسائلة فرحان؟ اقترب منها حتى لم يعد يفصله عنها سوى أنفاسه، للحظة بدأ فاروق جديا لكنها فجأة أعطته ظهرها بخجل وطلبت منه يساعدها في فك فستانها لتبدل ملابسها.

 

ساعدها فاروق وهو في حيرة من نفسه؛ مازال تحت تأثيرها وسحرها. وبمجرد أن أنهى ما طلبته، تفاجأ بها دخلت سريعا سيدرا إلى الحمام لتبدل ثوبها ببيجامة ناعمة.

 

ابتسم على إثرها و

جلس على حافة السرير يتأمل هاتفه، يقلب فيه سريعًا، ليتفاجأ بامتلاء وسائل التواصل بصور زفافه. كان الخبر قد أصبح علنيًا، بل انتشر في كل مكان. شعر بصدمة مفاجئة، وعاد إليه ذلك القلق القديم… تذكر الضابط، واخيرا تذكر أروى نفسها هل سترى الخبر. كيف سيقنعها بحبه؟ وكيف سيواجهها أمام الشرطة بعدما تعلم أنه قد تزوج بأخرى؟

 

رفع الهاتف على عجل واتصل بصاحب الصحيفة:

ـ أيوه يا أحمد… إزاي تنشر خبر زي دا من غير إذني؟ أتفاجأ بالصور في كل المواقع كدا؟!

 

كانت سيدرا قد خرجت من الحمام وقتها، فرأت ملامحه المتوترة، فسألته باستغراب:

ـ مالك يا فاروق؟ في إيه؟

 

لكنه لم يرد، مستمرًا في مكالمته. أجابه أحمد عبر الهاتف بهدوء:

ـ فاروق بيه، إهدا بس. مش أنا لوحدي اللي نشرت الخبر. حضرتك فاروق القناوي، والكل كتب عن إن النهاردة فرحك. ودا أمر طبيعي جدًا.

 

أدرك فاروق أن الرجل محق، لكنه ظل متوترًا، يمسح على شعره ويرجعه للخلف بتوتر. اقتربت سيدرا منه، أخذت الهاتف وأغلقت الخط بسرعة:

ـ خلاص يا أستاذ أحمد، شكرًا… مع السلامة.

 

ألقت الهاتف على السرير، ثم جلست بجوار فاروق، أمسكت وجهه بكلتا يديها ونظرت في عينيه بحنان غير معتاد منها، فهو يعرف صراحتها وقوتها عادة، لكن هذه اللحظة كانت مختلفة حتى أنها تستغرب حالها معه هو فقط تصبح حنونة عندما يغضب.

 

تنهّد فاروق وهو يزيح يديها بهروب، ثم جلس على السرير صامتًا، مازال يبدو عليه الضيق. لحقت به سيدرا وجلست إلى جواره، تميل برأسها في محاولة لطمأنته:

ـ في إيه يا فاروق؟ ليه خبر فرحنا يضايقك؟ مش هو دا اللي كنا عايزينه؟ مش كنا عايزين الدنيا كلها تعرف بفرحنا؟

 

ظل فاروق يحدق في الأرض، لا يقتنع بكلماتها. عندها نزلت سيدرا وجلست على الأرض أمامه، أمسكت يديه بحنان:

ـ مش عايزاك تضايق… قالتها بنظرة متوسلة

 

ابتسم فاروق أخيرًا، ابتسامة صغيرة مترددة، فأحاطت رأسه بذراعيها بحب، وأسندته إلى حضنها. تمدد على قدميها وهي تعبث بخصلات شعره بلمسات رقيقة، كأنها تبعث الطمأنينة داخله. لم يصدق فاروق نفسه، لقد استطاعت أن تزيل عنه كل همومه، أن تُسكِنه، وأن تُنسيه ما أزعجه. لم يملك إلا أن يحيط خصرها بذراعيه أكثر، يتمسك بها، وكأنها وحدها ملاذه في تلك اللحظة… وقد نسي الخبر، ونسي العالم كله.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

17

متابعهم

4

متابعهم

0

مقالات مشابة
-