بين نبضين: حكاية عمر وليلى الجزء السابع
الجزء السابع: قلبين في حيرة

اليوم ده كان مختلف عن كل الأيام اللي فاتت. الجو في المدرسة كان هادي من برة، لكن جوا كل واحد فيهم كانت في دوشة لا تطاق. عمر دخل الفصل بخطوات تقيلة، مش قادر ينسى اللحظة اللي وقف فيها بين ملك وليلى، وهو مش عارف يمشي على أنهي طريق. قلبه كان بيقول له “ارجع”، بس عقله بيرد عليه “خليك جامد”. أما ليلى… فكانت قررت إنها تتعامل كأن عمر بقى مجرد زميل، بس قلبها مش موافق على القرار ده خالص.
كريم أول ما شاف عمر، قرب منه وقال بصوت منخفض: – “يا عم كفاية تمثيل… إنت مش كويس، وأنا عارف.” عمر لف له بنظرة فيها حزن وعند في نفس الوقت: – “أنا تمام يا كريم، مفيش حاجة.” كريم ضحك سخرية: – “تمام؟! وانت كل يوم بتقعد تكتب في الكشكول وتبص لها من بعيد؟” سكت عمر، مسك الكشكول بإيده، وقال: – “خليها على الله يا صاحبي… يمكن الأيام تجاوبني.”
في الناحية التانية، ليلى كانت قاعدة مع نادين، بتحاول تضحك وتتكلم عن أي حاجة إلا هو، بس مافيش فايدة. كل مرة تسمع اسمه أو حتى تشوف ضحكته من بعيد، تحس إن قلبها بيتخبط. نادين سألتها: – “هو إنتي لسه بتحبيه؟” ليلى نطقت الكلمة بصعوبة: – “مش عارفة… بس أكيد لسه مش قادرة أكرهه.” ضحكت نادين وقالت: – “يبقى بتحبيه يا بنتي، بس مش عايزة تعترفي.”
رجعوا الحصة، والمدرس أعلن عن مسابقة بين المجموعات، واللي هيفوز هياخد يوم كامل في النادي برعاية المدرسة. نفس المجموعات القديمة، يعني ليلى، عمر، كريم، وملك. أول ما سمعوا القرار، النظرات اشتغلت من غير كلام. ليلى شافت إن ربنا لسه بيديها فرصة يمكن يصفوا، لكن ملك كان في بالها حاجة تانية تمامًا.
بدأوا التحضير للمسابقة في المكتبة. الجو كان ساكت، وكل واحد مركز في ورقه، لكن التوتر مالي المكان. ملك قعدت جنب عمر، تقرّب منه كل شوية بحجة إنها تسأله عن حاجة في المشروع. ليلى كانت بتشوف بعينها، بس عاملة نفسها مش مهتمة، ومع كل لحظة الغيرة كانت بتاكلها من جواها أكتر. كريم، اللي كان شايف كل حاجة، قام وقال فجأة: – “طب أنا وليلى نروح نطبع الأوراق، وعمر وملك يكمّلوا هنا.” ملك فرحت، بس ليلى حسّت إن كريم بيحاول يبعدها عن النار.
في الطباعة، ليلى كانت ساكتة، وكريم بدأ يكلمها بهدوء: – “بصي يا ليلى، أنا مش هتدخل بينكم، بس عمر مش سعيد.” – “هو اللي اختار البعد، مش أنا.” – “لا، هو اختار يتألم في صمت… وده أسوأ.” الكلمة دي خلتها توقف وتبص له: – “يعني لسه بيحبني؟” – “أنا مش هجاوبك، بس شوفي عينيه وانتي تعرفي.”
رجعوا المكتبة، لقوا الجو متغير… ملك كانت بتحكي لعمر عن حاجة حصلت في مدرستها القديمة، وهو لأول مرة يضحك بجد. الضحكة دي كانت كفيلة تكسّر حاجة جوا ليلى. سابت الورق ومشيت من غير ما تتكلم. عمر حاول يناديها، بس ملك شدّته بلطافة: – “سيبها دلوقتي، شكلها متوترة.” بس جواه صوت تاني كان بيزعق: “اجري وراها قبل ما تبعد بجد.”
بعد المدرسة، عمر خرج بدري، راح يتمشى لوحده على الكورنيش، بيحاول يفكر. كل ما يفتكر ليلى، قلبه يدق أسرع. كل ما يفتكر ملك، يحس إنها بتريحه، بس مش بتلمسه بنفس الطريقة. كان محتار بين راحة قصيرة وحب موجع. وقف قدام البحر وقال لنفسه: – “أنا تايه… وكل الطرق بتودي لها.”
ليلى في الوقت نفسه كانت قاعدة على السرير، ماسكة مذكرتها وبتكتب: “هو ليه كل مرة أحاول أهرب منه ألاقيه في خيالي؟ ليه حتى لما بيضحك لغيري بحس إني اللي بتوجع؟ يمكن خلاص وقته خلص، ويمكن لأ… بس ليه قلبي مش قادر ينسى؟” وبعدها سكتت شوية، ودمعة نزلت على الصفحة.
في تاني يوم، نادين قررت تاخد خطوة. راحت لعمر وقالت له: – “بص، أنا مش عايزة أتدخل، بس ليلى اتكسرت.” – “اتكسرت؟ ليه؟” – “منك يا عمر… ضحكتك اللي بتقسمها مع غيرها وجعها أكتر من أي كلمة.” الكلمة دي خبطت فيه زي السهم. حس إنه فعلاً ظلمها، بس لسه الكرامة عاملة له سجن.
المسابقة قربت، والمدرس طلب من كل مجموعة تعمل عرض تقديمي صغير. اليوم اللي اتحدد كان فيه توتر مش طبيعي. عمر وليلى بيحاولوا يتجنبوا بعض، وكريم بيحاول يخلّي الجو طبيعي. ملك كانت شايفة الفرصة تكبر قدامها، فقررت تخلّي العرض كله يعتمد عليها وعمر.
بدأ العرض، وملك بتتكلم بثقة، لكن حصل موقف غريب: نسيت جزء مهم من الكلام، وعمر حاول يساعدها، لكن اللي حصل بعدها كان أغرب… ليلى هي اللي قامت وكملت عنها قدام الكل. الكلام طلع منها بطبيعية وجمال، والكل صقف. لحظة دي جمعتهم من غير ما يتكلموا، لأن العيون قالت اللي مش بيتقال.
بعد العرض، ملك كانت محرجة جدًا، بس عمر شكرها وقال: – “عملتي مجهود كويس.” ردّت بابتسامة باهتة: – “واضح إن قلبك مش هنا، يا عمر.” اتصدمت من نفسها إنها قالت كده، بس هو فضل ساكت، عارف إن كلامها صح، ومش قادر ينكر.
في نهاية اليوم، ليلى كانت خارجة من المدرسة، وسمعت صوت وراها: – “ليلى… استني!” رجعت تلاقي عمر واقف. وشه فيه ارتباك، لكن عينه بتلمع. وقف قدامها وقال: – “ينفع نرجع نتكلم؟” سكتت، قلبها دق بسرعة، بس قالت: – “اتكلم يا عمر.” – “أنا غلطت… بس والله كنت تايه.” – “وأنا كنت مستنياك تفتكر إنك تايه.” سكتوا لحظة طويلة، والعيون بس هي اللي بتحكي. كان ممكن دي تبقى لحظة صلح حقيقي… لولا إن ملك ظهرت فجأة وقالت: – “عمر! نسيت الشنطة بتاعتك في الفصل!” اللحظة اتكسرت، وليلى بصت له بنظرة فيها وجع وقالت بهدوء: – “ارجع يا عمر… شنطتك أهم.”
مشيت وسابته واقف، ماسك نفسه بالعافية.
رجع البيت بالليل، قعد على السرير، وكتب في الكشكول: “هي مش فاهمة إني مش عارف أعيش من غيرها، ومش قادر أقولها، ولا حتى أقرّب. الحيرة دي بتقتلني كل يوم أكتر. بس يمكن ربنا كاتب لنا وقت تاني، مش دلوقتي.”
وفي بيت تاني، ليلى كتبت في مذكرتها: “فيه فرق بين البُعد والغياب… هو بعيد عني بس لسه جوايا. ومش عارفة هفضل أستنى ولا أهرب من نفسي.”
نهاية الجزء السابع — قلبين في حيرة الليل نزل، والمدينة كلها نايمة، إلا قلبين… واحد بيكتب، وواحدة بتبكي.
وفي النص، القدر لسه بيجهز المفاجأة اللي هتغيّر كل حاجة في الجزء الجاي…
الجزء الثامن: “اعتراف نصه خوف”