💔 قلبٌ لم يجد مرساه: قصة آدم ومريم

💔 قلبٌ لم يجد مرساه: قصة آدم ومريم
كانت مريم بالنسبة لـ آدم أكثر من مجرد فتاة؛ كانت الفجر الذي يكسر عتمة لياليه الطويلة، واللحن الهادئ في صخب الحياة. التقيا في معرض فني صغير، حيث كانت عيناها تتأملان لوحة قديمة، وعيناه هو تتأملانها هي. لم يكن لقاءً عابراً، بل كان صدمة كهربائية خفيفة أيقظت شيئاً كان نائماً في روحهما.
كانت مريم رسامة، تحب الألوان الصريحة والخطوط الواضحة، لكن قلبها كان مليئاً بالظلال والتعقيدات. كان آدم مهندساً معمارياً، يرى العالم في خطوط مستقيمة ومنطق ثابت، لكنه سرعان ما اكتشف أن مريم هي الزاوية المفقودة التي لم يستطع أي مثلث هندسي تفسيرها.
تطورت علاقتهما بسرعة مذهلة، كأنما كانا يسابقان الزمن. تبادلا الأحلام الصغيرة والكبيرة، الضحكات التي لا تنتهي، والهمسات التي تروي تفاصيل يومهما. كانت أيامهما خليطاً من زيارة الأماكن المهجورة التي تستلهم منها مريم لوحاتها، والنقاشات المعمارية التي يصر فيها آدم على أن "كل شيء يجب أن يكون له أساس صلب". كانت علاقتهما هي الأساس الصلب الذي ظن آدم أنه سيبني عليه مستقبله كاملاً.
"أتذكرين، يا مريم، يوم أن أمضينا ليلة كاملة في تلوين نجمة على سقف غرفتك؟" "وكأنها بالأمس يا آدم. أنت كنت تقول إنها يجب أن تكون متناسقة، وأنا أرد عليك أن النجوم لا تهتم بالتناسق، بل بالضوء."
في خضم هذا الدفء، بدأت تظهر الغيوم. لم يكن الأمر يتعلق بالخيانة أو فقدان الحب، بل بشيء أكثر قسوة وواقعية: الاختلافات الجوهرية في مسار الحياة.
كان طموح مريم لا يحده سقف؛ حلمها أن تسافر، أن تعرض فنها في صالات عالمية، أن تعيش حياة البدو الرحالة بين مدن الفن. كان آدم، على النقيض، متجذراً في أرضه وعمله. كان يحلم بمنزل ثابت، عائلة، واستقرار لا يتزعزع.
بدأت محادثاتهما تتحول من سحر العشق إلى جدال مؤلم حول المستقبل. كل منهما كان يرى الآخر كجزء من لوحة مثالية، لكن هذه اللوحة كانت تحمل خلفيتين متناقضتين تماماً.
"آدم، أريد أن أذهب إلى روما لدراسة الترميم. إنها فرصة العمر!"
"ومتى سنبني منزلنا الذي تحدثنا عنه؟ أنا لا أستطيع أن أعيش وأنتِ على بعد قارة، مريم."
"ولماذا لا تأتي معي؟ أنت مهندس معماري، إيطاليا هي جنة فن العمارة!"
"عملي هنا، عائلتي هنا، حياتي هنا. وأنا أريدك هنا."
وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة. بعد شهور من المحاولات المضنية للتوفيق بين عالمين لا يمكن أن يلتقيا، جلسا في ذلك المقهى الهادئ، حيث تبادلا أول نظرة. كانت الكلمات قليلة وثقيلة كالحجارة.
"لا يمكنني أن أطلب منكِ أن تتخلي عن حلمكِ لأجلي، يا مريم." قالها آدم بصوت متهدج، وكأنه يمزق قطعة من قلبه بيده. "ولا يمكنني أن أعيش وأنا أرى خيبة الأمل في عينيك، وأنت تنتظرني في محطة قطار لن أصل إليها أبداً." أجابت مريم، ودموعها تنساب كألوان ضائعة.
كان قرار الانفصال هو أعلى ثمن يمكن أن يدفعاه لصدقهما مع الذات. مريم سافرت، حققت حلمها، لكن كل لوحة رسمتها كانت تحمل شبح وجه آدم في زواياها.
أما آدم، فقد بقي. بنى منزله الجميل كما حلم، لكنه ظل فارغاً وبارداً. أصبح يتجنب الألوان الصريحة في تصاميمه، مفضلاً الرمادي والأبيض، وكأن الحياة فقدت بريقها بذهابها.
عامان مرا على الفراق، لكن الألم بقي كشاهد أخرس.
كان آدم يفتح نافذة البحث ليلاً ليكتب اسمها، ثم يغلقها خوفاً من رؤية سعادتها التي لا يشارك فيها.
كانت مريم ترسل له في خيالها بطاقة بريدية من كل مدينة، تشرح له فيها تفاصيل قبتها المعمارية وزواياها، قبل أن تعيدها إلى درج النسيان.
الألم لم يكن في الافتقاد فحسب، بل في اليقين المؤلم بأن الحب كان قوياً بما يكفي ليستمر، لكن الحياة لم تكن كذلك. لقد كانا قطعتين من اللغز، لكنهما ينتميان إلى صندوقين مختلفين.
في إحدى الليالي الباردة، كان آدم يقف في شرفة منزله الذي صممه، يتأمل سماء الليل. لم يعد يرى النجوم بتناسق هندسي، بل يراها كنقاط ضوء تبعثرت في فضاء واسع. تذكر نجمتهما الملونة على السقف.
أغمض عينيه، وشعر بالوزن الثقيل لـ "ما كان يمكن أن يكون". لم يكن الفراق نهاية القصة، بل كان تحويلها إلى رواية مستمرة من الحنين. كل إنجاز حققه كان ناقصاً، وكل نجاح لم يُحتفل به بالكامل. بقي آدم يرتدي قميصاً قديماً تركته مريم، وبقيت مريم تحتفظ بقلم رصاص هندسي كان ملكاً له. كان هذا هو كل ما تبقى من قصة حب لم تجد مرساها، قصة قلبين نبضا بصدق لكن فرقهما قدر يحمل بصمة الطموح والاختيار.