حكاية رجل خذلته الدنيا وأنقذته وصية أمه

حكاية رجل خذلته الدنيا وأنقذته وصية أمه

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

حكاية رجل خذلته الدنيا وأنقذته وصية أمهimage about حكاية رجل خذلته الدنيا وأنقذته وصية أمه

 

أمي كانت غضبانة عليا بسبب الشغلانة اللي كنت بشتغلها وكانت مبتاخدش مني جنيه واحد وبتقول إن فلوسي كلها حرام، وطبعًا في الداخلة والخارجة مكنتش بتبطل كلام عليا، مرة تقولي إن كل فلوسي حرام وهدخل النار، ومرة تقولي إن معنديش نخوة وان مفيش راجل يقبل على نفسه الشغلانة دي أبدًا، ومرة تقاطعني بالشهر، وكانت رافضة تماما إنها تبطل شغلها وتكتفي بفلوسي الكتير اللي مكنتش بتخلص..

والحقيقة إني كنت عارف إن كلامها كله صح، لكني غرزت في الشغلانة دي ومكنتش عارف أخرج منها خلاص، أو بمعنى أصح مبعرفش أعمل حاجة غير إني أشتغل على الطبلة في الأفراح، يمكن أحسن واحد بيضرب على الطبلة في الأفراح الشعبية، وطبعًا كان شغلي كله ورا واحدة بترقص ببدلة رقص، وغالبًا بتكون هي زعيمة الفرقة كمان، وكتير منهم مكنتش بترقص غير على الطبلة بتاعتي وكانوا بيطلبوني بالاسم، والرقم اللي كنت بحدده كنت باخده بدون أي فصال..

ممكن في الليلة أطلع بـ ٥ آلاف جنيه، فين الشغل اللي هيجبلي مبلغ زي ده أو حتى ربعه، أكيد مفيش، غير إن شغلانتي دي كانت فيها سحر، بغيب فيها عن الواقع وسط الدوشة والصخب والتفاعل مع الطبلة، بس كنت برجع للهم تاني وأنا راجع البيت وش الفجر، عشان بلاقي أمي بتقيم الليل ومنتظرة صلاة الفجر..

ويا ويلي لو رجعت سكران بسبب ريحة الدخان اللي بشمه طول الليل، خناقة كبيرة وزعيق وكلام يحرق الدم، ومع ذلك كنت بتحملها ومرعوب من فكرة إني أخسرها أو أعيش بعيد عنها، الإنسان لازم يحس إن فيه حاجة طاهرة في حياته، وأمي كانت هي الحاجة دي..

لحد ما رجعت آخر مرة وكانت بتصلي الفجر، وعلى حظي دخلت وهي بتسلم وبتخلص صلاتها، وانتظرت الزعيق، الخناق، الشتيمة، لكنها كانت هادية خالص، طلبت مني أقرب منها وحضنتني، حضنتني جامد أوي وحسيت لوهلة إن إيديها شديدة وبتعصر في ضلوعي، وبعدين قالتلي كلمة غريبة أوي..

قالتلي إن ربنا من رحمته بيدي للإنسان فرصة واتنين وعشرة، بس لما بياخد العبد اللي بيصر بياخده أخذ عزيز مقتدر، ودخلت أوضتها عشان تنام، والحقيقة إني مفهمتش منها ولا كلمة، ولما صحيت على العصر عرفت إن عندي شغلانة مكسبها كويس أوي، بس هنطلع تلت ليالي فيها وصاحب المكان هيجهز لنا مبيت محترم..

وفعلًا جهزت حاجتي واتفقت مع زعيمة الفرقة وكانت أشهر رقاصة في المنطقة وطلعت مع الفرقة، وشوفت فرح كبير أوي يمكن مشفتوش في حياتي، تلت ليالي اتعمل فيهم كل حاجة، عجول اتدبحت، مشاريب وتسالي بكل الأنواع، خيام كبيرة وفلوس اترمت تحت الرجلين مالهاش حصر..

لحد ما انتهت الأيام ورجعت، أمي كانت وحشاني أوي، وحشاني وكأني مشوفتهاش أيام طويلة لأني كنت بشوفها كل ما كنت بنام وكانت بتبصلي وكأنها زعلانة مني، ورجعت أجري عشان أشوفها، وكالعادة كانت بتصلي وساجدة، استنيت شوية عشان تخلص صلاتها لكنها اتأخرت، اتأخرت لأكتر من نص ساعة، ولما روحت أشوفها لقيت جسمها متلج، أمي كانت مبتتحركش، كانت ميتة..

قلبي اتشق نصين وجريت بيها على المستشفى وعرفت إنها ميتة من تلت أيام، ومع ذلك جسمها مكنش لسة اتعفن، لأن الجو كان برد ويمكن فيه سبب تاني أنا معرفوش، أمي بقالها تلت أيام ميتة وأنا معرفش، عشان كدا كنت بشوفها وأنا نايم في التلت ليالي زعلانة مني أوي..

واتنصب الصوان واتدفنت أمي وأنا مقهور، فاقد النطق وتايه في ملكوت الله، حاسس إني بقيت عاجز، كأن رجلي اتبرت من مكانها، وفضلت مكتئب بعد وفاتها شهر كامل، مبعملش حاجة غير الدخان وأقعد فوق السطح، يمكن مكلتش تلت وجبات على بعض لحد ما جالي هبوط من قلة الأكل..

ومن جوايا قررت مكملش في الشغل ده أبدًا، كانت قدامي فرص كتير ءسيبه وأبر أمي وأكمل بالحلال، حتى لو هاكل عيش حاف، أو هعيش من شغل أمي اللي كانت بتبيع شبت وبقدونس قدام البيت عشان تكمل بالحلال، بس أنا كابرت..

دلوقتي قدامي فرصة أسيبه لكن بالوجع الشديد، هسيبه بس أمي مش معايا، مش هترضى عني ولا هتعرف إني سيبته، وفعلًا بدأت أصلي وأدور على شغل وأحاول أغير من حياتي..

لكن كلها كام يوم ولقيت زعيمة الفرقة جاية لحد البيت تعزيني، وبعد كلام كتير طلبت مني أرجع الشغل، رفضت وقولتلها إني بطلت، أشفقت عليا وقالتلي ده حقك، بس أنا مش هسيبك للحزن يأثر عليك، وكانت شيطانة، شيطانة قدرت تغويني للحرام عشان تأثر عليا..

وبعدين قالتلي أحضر فرح معاها من غير شغل، عشان بس أخرج من اللي أنا فيه، وفي وسط الفرح طلعت على المسرح تنادي عليا وخلت الناس كلها تنادي عليا، أحن واحد بيمسك الطبلة، وأول ما مسكت الطبلة مع إصرار الناس اتسحرت، وبدأت أطبل وراها وفصلت عن الواقع..

وكل اللي كان في دماغي اختفى، أنا مش هعرف أبطل، مش هعرف خلاص، وكملت، لكن وسط الفرح والنشوة اللي أنا فيها شوفت أمي بترقص وسط الرجالة، كنت هتجنن من اللي شايفه، دي أمي بنفس هيئتها وشكلها، والرجالة بيرموا عليها فلوس وحوليها أكتر من الرقاصة اللي على المسرح، جريت أصرخ ناحيتها ولقيت الفرح كله بيضحك عليا، ولما وصلتلها كانت راجل، راجل بجلبية وشارب..

عدت الليلة بس الموضوع اتكرر، اتكرر كتير أوي، مكنتش بروح فرح إلا وبشوف أمي بترقص بلبس خليع وسط الرجالة، وكانت الغيرة بتنهش فيا عليها وأفضل أصرخ وأنادي عليها، لحد ما عملت أكتر من مشكلة وآخرهم أصحاب الفرح ضربوني وسحلوني لما ضرت واحد منهم وأنا ثاير، ضربوني على راسي بالشوم لحد ما نزفت دم ووقعت في الأرض..

كل اللي بعد كدا أنا مش فاكره ولا عارفه، بس الكلام اللي بسمعه عني إني مجنون، ببشوف عفاريت، مضروب على راسه وفاقد الوعي، عنده جلطة ومتعالجش منها، كل اللي أعرفه إني حاليًا لازم أقعد على قبر أمي يوميًا أبكي والناس بيشفقوا عليا ويحطولي أكل وشرب، وأكل جمب كلاب المقابر من نفس الطبق، ده اللي أنا أعرفه ومعرفش وصلت للنقطة دي ازاي..

يمكن جملة أمي الأخيرة، لما قالتلي ربنا بيدي للإنسان فرصة مرة واتنين، وأنا خدت كل الفرص دي، خدتها باللين أولًا وبكلام أمي، ثم خدتها بالشدة لما أمي ماتت عشان أفوق، وبعدها الفرص انتهت، وهكذا حال الإنسان اللي بيعمل الحرام، سواء مال حرام، إباحية، معصية، بياخد فرصة واتنين وعشرة.. 

مرة على هيئة نصيحة، ولو رفض يجي بلاء أكبر، مرض، ابتلاء، فقر، لعله يتوب، ولو أصر ربك وقتها بياخده أخذ عزيز مقتدر، بس وقتها بيتكفر عن ذنوبه برضه لكن مش في الدنيا، بيكفر عنها في قلب النار، وما أدراك ما النار، فلو جتلك الفرصة تخرج من حاجة حرام أخرج فورًا، ويا بخت اللي بيخرج من أول فرصة واللي هي نصيحة من حد قريب منه، لأن اللي بيكمل بيهلك نفسه.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
محمد فرج تقييم 0 من 5.
المقالات

3

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.