الحدوته واللي فيها الفصل الاول
الحدوتة واللي فيها
الفصل الاول
يلا بينا نبدأ الحدوتة، أنا اميرة عندي 38 سنة، خريجة كلية الاداب قسم اجتماع، شكلي عادي وبالنسبة لأخواتي البنات فأنا اوحش واحدة فيهم، عندي اختين بنات اكبر مني وهما رنا وريم، اما اخواتي الصبيان واحد منهم اكبر مني وده اسمه يوسف والتاني توأمي وده اسمه خالد، بابا موجود وماما الحمد لله بس يعني سنهم دلوقتي تخطى السبعين، خلوني ابدأ معاكم من زمان شوية من وقت ما كان بابا بيبخل علينا بكل حاجة، ابويا اسمه كمال، بيشتغل فى المقاولات، امي من الناس الكسولة جدا وده كان سبب فى انه يكون مسؤول عن كل حاجة فى البيت حتى الطبيخ والسوق كان هو اللى مسؤول عنه، وده بالنسباله كان كويس لأنه مش بيضطر يسيب فلوس فى البيت، كلنا كنا بنتعلم الحمد الله لكن مفيش حاجة اسمها دروس خصوصية ولا فيه حاجة اسمها مجاميع، والكلمة اللى حفظناها:
- انا مش هأكلكم واعلمكم، عايزين تتعلموا اعتمدوا على نفسكم وكفايا عليا مصاريف المدارس والكتب، اكتر من كده مش هدفع قرش، يا اما مش هأكلكم واعلمكم بقى ادفع مجاميع ومواصلات وكل الكلام الفاضي ده.
الكلام ده كنت بدأت افهمه لما بقيت فى اعدادي، ولأن رنا اختي الكبيرة كانت شاطرة جدا فى دراستها من غير ما تحتاج لدروس فكانت هي الوحيدة اللى بتقدر تذاكرلنا وكانت سبب قوي جدا فى اننا نكون شاطرين، لكن ريم كانت مش ناجحة اوي فى الدراسة وعلشان كده وصلت لدبلوم التجارة بالعافية وعقبال ما خلصته كانت روحنا كلنا طلعت، رنا اختي من ماما يتيمة الأب وامي اتجوزت ابويا بعد ما ابو رنا اتوفى، وعلشان كده رنا بتقول لبابايا...يابابا، برغم انه عمره ما كان اب ليها، بالعكس كان كل حاجة بتعملها فى البيت عنيه فيها، حتى لو اكلت لقمة ولا شربت شوية مياه، ولأن هي وريم سنهم قريب من بعض فكان بيتعمد يغيظ رنا بريم، وكانت ماما تتحيز لرنا طبعا بسبب ظروفها، وده كان بيضطرها اوقات كتير انها تسيب البيت لينا وتروح لأهلها برنا، وتمييز ماما لرنا كان له سبب واحنا فاهمين ده او انا فهمته لما كبرت شوية، لكن مش هنكر انه كان سبب فى دخول الغيرة لقلوبنا منها، خاصة ريم وانا، لكن يوسف وخالد الوضع بالنسبالهم كان عادي، بيحبوا رنا اللى بيعتبروها امهم التانية، هي صاحبة البيت كله وصاحبة الجيران وصاحبة كل الناس اللى بتقابلهم، شاطرة فى كل حاجة وست بيت وجميلة جمال ميتوصفش، فى كل مرة كانت امي تسيب البيت وترجع برنا اللى فاهمة معاملة ابويا ليها بس متقدرش تعمل اي حاجة غير انها تتحمل، حتى فى الثانوية العامة اضطرت تروح تعيش عند خالي علشان تقدر تذاكر، وعلشان ابويا كان بيتخانق على النور لو فضل والع بليل بسبب انها قاعدة تذاكر، انا عارفة ان ابويا طبعه صعب وخاصة معاها، كان غياب رنا عن البيت بيخلي ماما كمان برة البيت دايما علشان تبقى جنبها ومتحسسهاش انها لواحدها، واحنا لأننا بنحب خالي كان ممكن نبقى معظم الوقت معاها، لكن برضو كان بابا بيبقى عايزنا فى البيت علشان هو كان مش بيوافق اننا نبات برة حتى لو عند خالي، فكرة ان ماما كانت دايما مع رنا ده كان سبب فى احساس النقص اللى دخل لقلب ريم، كانت دايما تقول:
- هو انا مش بنتها انا كمان علشان تختار تبقى مع رنا علطول؟
فى الوقت ده كنت اسمع سؤالها لبابا وانا مش مستوعبة احساسها، واسمع رده وهو بيقول:
- هي شايفة انها مخلفتش غير السنيورة بتاعتها، لكن انتي..انتي بت ابوكي، البت حبيبة ابوها والسنيورة مالهاش اب.
كلام ابويا كان سبب فى انه يزود الغيرة فى قلب ريم من ناحية رنا، وانا بينهم هما الاربعة سيرتي مش بتيجي، محدش بيتكلم عني، كأني مش موجودة، كان يوسف اخويا الكبير مهتم بتعليمه بس وكان بيشتغل علشان يقدر يساعد نفسه، اما خالد فهو كمان مش فاضي غير للمدرسة والمذاكرة او اللعب فى الشارع مع العيال، كنت تايهة فى النص وانا مش فاهمة، اه وقتها مكانش فيه الوعي بتاع دلوقتي، كنا بنتعلم اه، لكن كان لسه لا فيه نت ولا موبايلات ولا التطور اللى وصلناله دلوقتي ده، الاطفال كانت اطفال فعلا، وانا لحد مرحلة الاعدادية كنت فعلا طفلة، طول الوقت فى البيت ريم قاعدة مع بابا فى الاوضة ولو دخلت الاقي ريم تقولي:
- اطلعي يا اميرة واقفلي الباب وراكي.
وبابا:
- روحي افتحيلك كتاب، ولا اعمليلنا كوبايتين شاي.
اطلع وانا زعلانة وبقول لنفسي:
- طيب انا هفضل طول اليوم قاعدة لواحدي؟ ولا ماما بتقعد معايا ولا بابا ولا حتى اخواتي؟
طبعا مكنتش اقدر اطلع اروح لحد من الجيران، فبضطر اروح اعمل الشاي وارجع افتح الكتب، وده كان سبب فى اني كمان مع مساعدة رنا ليا اني ابقى شاطرة، كل حاجة كانت بتمر بسرعة، رنا خلصت امتحاناتها، رجعت البيت تاني، اهتمت بمذاكرتنا، ونجحت هي ودخلت كلية...لكن ريم زى ما قولتلكم فى البداية خلصت الدبلوم بالعافية وده كان سبب تاني لزيادة الغيرة جواها من ناحية رنا، اما انا خلصت الاعدادية بمجموع يدخلني ثانوية عامة...ويوسف كمان جاب مجموع كويس ودخل كلية كويسة بس كانت فى محافظة تانية، وده اضطره انه يتنقل لسكن الطلبة هناك ويدور على شغل فى نفس البلد للى هيدرس فيها علشان يقدر يصرف على نفسه، وخالد كمان جاب مجموع كويس ودخل هو كمان ثانوية عامة، لكن فى وسط كل ده مشوفتش فرحة فى عين امي غير بنجاح رنا، مشوفتش منها اهتمام ولا احتفال غير بنجاح رنا، اما ابويا حقده وكرهه على رنا زاد بعد قرار ريم بأنها مش هتكمل بعد الدبلوم، وكانت معاملته مع رنا بتكون اسواء واسواء، واهتمامه بريم بيزيد، وانا بدأت اكبر واحس بوحدتي اكتر، لكن مذاكرتي كانت هي الحاجة الوحيدة اللى بتأكدلي انها هتخليني اطلع من العيشة دي، وده خلاني اموت نفسي فى المذاكرة بمساعدة رنا برضو اللى مشغلتش بالها خالص بتصرفات بابا معاها ولا فى يوم تعاملها اتغير معانا عن انها الأم التانية، بالعكس يمكن كانت اقرب من امي لينا كلنا بلا استثناء، حتى معاملتها مع ريم كانت من احلى ما يكون، وريم بتتعامل معاها كويس، لكن من جواها انا عارفة وسامعة كلامها مع بابا نفس اللى جواه من ناحية رنا هو اللى جواها هي كمان من ناحية رنا، كنت فى المدرسة ليا اصحاب كتير جدا، لكن مقدرش اسمح لواحدة منهم تيجي البيت عندنا، اصل هتيجي تشوف المشاكل اللى علطول بتحصل، ولا هتيجي واخاف اقدملها حتى كوباية مياه احسن بابا يعمل مشكلة ويكسفني، حتى مكنتش بقدر اخرج مع حد منهم لما بيقولوا انهم هينزلوا يتمشوا شوية على البحر بسبب اني معنديش هدوم اخرج بيها، اصل احنا قليل اوي لو بابا وافق يشتريلنا هدوم فى العيد، وانا بقى مكنتش بشتغل ولا فكرت، ولا عندنا حد بيشتغل اصلا غير يوسف وده بسبب الدراسة ومن بعد ما خلنا الثانوي اضطر خالد كمان يعمل كده علشان لو احتاج حاجة يجيبها، طبعا انتم عارفين المرتبات زمان كانت عاملة ازاي، فكان يادوب اللى بيقبضه يصور بيه كتاب خارجي مثلا نذاكر منه انا وهو، ينزل مرة مع اصحابه يقعدوا على قهوة، ماهو بقى شاب برضو، كانت الايام بتمر من غير جديد، مذاكرة ومدرسة، وعند خالي، وخناق بابا وماما، اجتناب رنا لبابا وحبستها فى الاوضة طول ما هو فى البيت، ريم مع كل تحيز من امي لرنا كانت بتحقد اكتر على امي كمان مش على رنا بس، فتقريبا بقى اللى جواها بيبان على وشها، لحد ما قررت امي تاخد رنا وتسيب البيت وتطلب الطلاق، وراحت عاشت عند خالي وسابتنا كلنا...ودي بداية التشتت برغم ان كل اللى فات كان ممكن يكون سبب فى التشتت لكن محصلش غير بعد قرار ماما بالانفصال علشان خاطر رنا، اما ريم بقى ولأنها زعلانة طبعا بسبب اللى حصل من ماما قررت تتكلم مع بابا:
- انا بكرههم يا بابا، مش عايزاهم يرجعوا تاني، انا حتى البيت مش طايقة اقعد فيه.
بابا:
- ولا تشغلي بالك بيهم، بكرة يرجعوا تاني زى ما غاروا.
ريم:
- بس خالي المرة دي محاولش يتكلم معاك فى انها ترجع، ولا حاول يصلح الموضوع.
بابا:
- بصي انا لا عايز حد ييجي ولا حد يتكلم، هي امك بتعمل ايه يعني؟ مالهاش لازمة فى البيت، وانتي لو نفسيتك تعبانة روحي اقعدى عند ستك شوية، غيري جو كده وسيبك منهم.
اتصدمت وانا بكلم نفسي:
- معقول بابا هيودينا نقعد عند تيتة؟ اصلا دي مبتحبش حد يروحلها ولا بتحب الدوشة.
قبل ما اسأل نفسي اي سؤال تاني، اتكلمت ريم ورد بابا خلاني مفكر شفى اي حاجة تانية، قالتله:
- ايوة يابابا بس تيتة مش بتحب الصداع، ولو روحنا هتضايق.
بابا:
- لاء انتي اللى هتروحي، ستك بتحبك وهتفرح انك هتروحي تونسيها.
ريم:
- طيب واميرة وخالد؟
بابا:
- لا خالد اهو طايح طول اليوم فى الشارع، واختك اهي فى البيت بتذاكر، وتخلي بالها من البيت.
اتصدمت بصراحة، لأول مرة احس الاحساس اللى دخل قلبي فى اللحظة دي، مكنتش عارفة هو ايه بالظبط، لكن حسيت بوجع فى قلبي ودماغي فى نفس اللحظة وانا شايفة نفسي مهملة وماليش اي مكان بينهم ولا اهمية، محدش فكر فيا حرفيا، حتى ريم اللى توقعت انها تقول لاء مش هسيب اختى لواحدها فى الوقت اللى لو كانت رنا هي اللى مكانها كانت هتقول كده فعلا وانا و اثقة من ده، الا انها فرحت انها هترتاح من البيت بتاعنا بحيطانه ام شكل وحش، ومياه المجاري اللى كل يوم والتاني تملى البيت بسبب ان الصرف اللى فى الشارع لما بيتسد بيتنا اوطى بيت ارضي فى الشارع بيخليه الاقرب للمياه، سابوني كلهم فى البيت محدش شغل باله بعمل ايه ولا باكل امتى ولا حتى لما المجاري بتطفح بعمل ايه ولا بشيل المياه المعفنة دي ازاي؟ امي حرفيا مش بتسأل، خالد كان بيروح عند خالي كل يوم بيقعد مع ماما ورنا، تذاكرله ويتغدا وتسأله عني فيقولها:
- فى البيت، بابا مش عايزها تطلع وتيجي علشان متخليش ماما ترجع.
وفعلا ده اللى كان بابا بيقوله، خالد مكانش عارف انا بقضي يومي فى البيت ازاي، فكرة انه بعيد عن وش بابا وعن البيت دي بتريحه نفسيا وبيتنا كل واحد فيه اتعود يفكر فى نفسه وراحته وبس، وبقيت لواحدي فعلا...بابا بيتغدا عند تيتة مع ريم، وخالد مع ماما عند خالي ورنا، ويوسف فى الكلية بتاعته، وانا ارجع من المدرسة اسلق المكرونة اللى مبقيتش اكل غيرها واتغدا بيها واقعد لواحدى لحد ما انام، فى كل يوم لما ييجي الليل والاقى نفسي لواحدي اقول:
- فيها ايه لو كنت اختارت اهلي؟
- فيها ايه لو كنت مكان صاحبتي مروة مثلا؟
- فيها ايه لو امي وابويا كانوا زي اي ام واب؟
- طب ليه ابويا بيكره اهل امي ومبيحترمش حد فيهم؟ مش يمكن لو كان فيه احترام وحب يمكن كانوا قدروا يصلحوا الامور بين امي وابويا؟
افضل ابص لعيشة غيري لحد ما اروح فى النوم بعد معافرة مع الخوف اللى بياكل فيا من اني انام لواحدي فى البيت، وخصوصا بقى لما الكهربا بتقطع...ولحد ما بنام معرفش أمتى ابويا رجع ولا امتى خالد رجع، وكنت بستنى الوقت اللى هصحى فيه علشان اخرج من البيت واروح المدرسة واقابل أصحابي...لحد بداية التحول فى حياتي.. وكانت فى اخر فترة ليا فى الثانوي وقبل الأمتحانات علطول، لما كنت راجعة من المدرسة وركبت مع سواق ميكروباص وقبل ما اوصل عند البيت كان مفيش حد راكب غيري...وغير اتجاه سواقته وراح مكان تاني غير اللى المفروض نمشي منه.
يتبع
هستنى رأيكم فى البداية