كادت حياة ليلي أن تنتهي
في إحدى القرى الريفية البعيدة، عاشت فتاة تُدعى ليلى مع عائلتها في بيت قديم محاط بالأشجار الكثيفة. كانت ليلى معروفة بجمالها الهادئ وعينيها الواسعتين، وكانت تقضي معظم وقتها في الحقول تساعد أهلها في الزراعة.
ذات يوم، قررت ليلى الذهاب إلى النهر الذي يبعد مسافة قصيرة عن منزلها لتغسل بعض الملابس. كان الوقت متأخراً، والشمس قد بدأت تغرب، مما أضفى على الجو هدوءًا غريبًا. بينما كانت تغسل الملابس، شعرت فجأة بنسمة باردة تمر بجانبها، مع أن الجو كان حارًا. لم تهتم في البداية، لكنها بدأت تشعر بأن هناك من يراقبها من بين الأشجار.
رفعت رأسها ونظرت حولها، ولكنها لم ترَ شيئًا. فجأة، سمعت صوتاً خافتاً يشبه الهمس يأتي من بين الأشجار. كان الصوت غير واضح، لكنه كان يدعوها للقدوم نحوه. شعرت ليلى بالخوف، لكنها كانت متأكدة أن هناك شخصًا ما يحاول اللعب معها. قررت أن تتجاهل الصوت وتعود إلى عملها، ولكن الصوت استمر، وأصبح أكثر وضوحاً وإلحاحاً.
في تلك اللحظة، شعرت ليلى بصداع حاد، وكأن هناك شيئًا يحاول الدخول إلى عقلها. سقطت على ركبتيها، ورأسها يدور من الألم. بدأت ترى صورًا مشوشة أمام عينيها، وجوه غير واضحة وكائنات غريبة. حاولت أن تصرخ طلبًا للمساعدة، لكن صوتها لم يخرج.
عندما استيقظت ليلى، وجدت نفسها ملقاة على الأرض بجانب النهر، وكانت الشمس قد غربت تمامًا، والظلام بدأ يخيم على المكان. حاولت النهوض، لكنها شعرت بثقل غريب في جسدها، وكأن شيئًا يسيطر عليها. عندما عادت إلى المنزل، لاحظ أهلها أنها تبدو مختلفة. كانت عينيها متسعتين بشكل غير طبيعي، وكانت تتحدث ببطء وهدوء مخيفين.
بدأت ليلى تتصرف بغرابة. كانت تجلس ساعات طويلة تحدق في الفراغ، وتتحدث مع نفسها بلغة غير مفهومة. في بعض الليالي، كان يُسمع صوت ضحكاتها الغريبة تتردد في أرجاء المنزل، مما كان يرعب أهلها. ومع مرور الوقت، أصبح الوضع أسوأ. كانت ليلى تستيقظ في الليل وتخرج إلى الحقول، وتقف هناك لساعات تحت ضوء القمر، وكأنها تنتظر شيئًا.
قلق والداها من حالتها، وقرروا أن يذهبوا بها إلى شيخ القرية الذي يُعرف بمعالجته للمرضى الروحانيين. عندما رأى الشيخ ليلى، اتسعت عيناه بفزع، وأخبر والديها أن هناك جنيًا قد تلبسها، وأن هذا الجني ليس من النوع السهل التخلص منه.
بدأ الشيخ بإجراء جلسات الرقية الشرعية، لكن الجني كان عنيدًا. كانت ليلى تصرخ بأصوات غريبة أثناء الرقية، وتتلوى من الألم، بينما كان الجني يتحدث من خلالها بأصوات مختلفة، يهدد الشيخ ويحاول إخافته.
استمرت الجلسات لعدة أسابيع، وخلال تلك الفترة، تدهورت حالة ليلى أكثر. أصبحت لا تتناول الطعام، ولا تتحدث مع أحد، وكانت تحدق في المرآة لساعات طويلة، تهمس بكلمات غريبة وكأنها تتحدث مع شخص غير مرئي.
في إحدى الليالي، وبينما كان والداها نائمين، استيقظا على صوت صراخ ليلى. هرعا إلى غرفتها ليجداها مغطاة بالدماء، وهي تنظر إليهما بعينين حمراوين. حاولت مهاجمتهما، لكنها انهارت فجأة على الأرض وأغمى عليها.
في الصباح، قرر والداها أن يأخذوها إلى مدينة بعيدة حيث يوجد شيخ معروف بقدرته على التعامل مع مثل هذه الحالات الصعبة. عندما وصلوا إلى الشيخ، نظر إلى ليلى وقال: "هذا الجني قوي، لكنه ليس أقوى من كلام الله".
بدأ الشيخ بقراءة القرآن بصوت عالٍ، وكانت ليلى تتلوى وتصرخ بأصوات مرعبة. بعد ساعات من الرقية، بدأ الجني يتحدث من خلال ليلى، يصرخ ويتوسل للشيخ أن يتوقف. ولكن الشيخ استمر في القراءة، وعندما وصل إلى آيات العذاب، بدأ الجني بالصراخ بقوة، وخرج من جسدها بصوت يشبه العاصفة.
سقطت ليلى على الأرض، فاقدة الوعي. بعد فترة، استيقظت وهي لا تتذكر شيئًا مما حدث. كانت تشعر بسلام غريب، وكأن ثقلاً قد أُزيح عن كاهلها. عادت ليلى إلى قريتها، وعادت لحياتها الطبيعية، لكن الجميع كانوا يعرفون أن ما حدث لها كان تحذيرًا لهم من العوالم المجهولة التي لا ينبغي الاقتراب منها.
منذ ذلك اليوم، لم تعد ليلى تذهب إلى النهر في المساء، وتجنب أهل القرية الحديث عن ما حدث، خوفًا من أن يجلبوا تلك الكائنات الغامضة إلى حياتهم مرة أخرى.