على حافة الهاوية.

على حافة الهاوية.

12 المراجعات

على حافة الهاوية.            

 

  أمل فتاة تعيش وسط عائلة نتكون من الأب : مسعود الذي كان حاد الطباع ،ينزعج ويصرخ لأتفه الأسباب ، الأم: عائشة التي كانت عكس الأب تماما ،حنونة وبسيطة لا تكاد تسمع لها صوتا.

الأخ الأكبر : عمر يدرس في الثانوية 

البنت الصغرى  راضية مازالت في المدرسة التحضيرية.

أمل تدرس في المتوسطة،هي مثل أمها ،خجولة ، ضاحكة المحيا تنشر الفرح أينما حلت.

في مدرستهايحسدها الجميع ليس لجمالها فقط ولكن أيضا

 

لنباهتها و ذكائها الخارق.

فهي الوحيدة في الصف التي كانت تجد المسألة قبل أن ينهي المدرس كلامه كما أنها تستطيع حقظ النص بعد ثلاث قراءات فقط.

أما عن الإتقان فحدث ولا خرج كراساتها منظمة وكتابتها مضبوطة الفسح ،جميلة المنظر.

 كانت تكبر وتكبر معها  صفاتها التي تجعل منها فتاة مميزة.

 فهي حرة تهوى الحرية وتكره الظلم والعبودية، رقيقة لا تقوى حتى على إيذاء نملة ،خجولة لا تسمع لها صوتا  في جماعة ،قلبها كبير يسع الكون كله ،لا تعرف كلمة لا

ذكية ،فطنة ،نشيطة ،كل الأوصاف الجميلة تنطبق عليها.

 

 نجحت أمل في امتحان  نهاية مرحلة التعليم الابتدائي بتفوق لا نظير له ،فهي لم تكن الاولى في مدرستها فحسب بل الاولى على مستوى  ولايتها.

كم فرحت أمها  وكم تباهى أبوها بنتائجها في القرية،

يومها  ذبح أبوها ديكا وطبخت أمها طبق الكسكس الشهير ووزعت على الجيران حلويات و عصيرا بهذه المناسبة السعيدة.

أحست أمل بأنها ملكت الدنيا بأسرها وقررت يومها أن لا شيء  سيمنعها من تحقيق أحلامها  .

 

مرت العطلة في لمح البصر وعادت أمل إلى مدرستها وتفوقت كالعادة .

اليوم تحتفل عائلة أمل بنجاحها في شهادة    التعليم المتوسط

ولقد دعا والدها : عمي محمد   الأعمام والأخوال والجيران لمأدبة الغداء بهذه المناسبة السعيدة.

ما لم تكن تعرفه أمل هو أن مسار حياتها تقرر في ذلك اليوم،  

لأن والدها  قد أعطى كلمته بشأنها لأخيه : سنز وجهما الصيف المقبل .اتفقنا ؟ نعم اتفقنا قال عمي محمد.

انصرف المدعوون وها هو عمي محمد يزف الخبر السعيدلأفراد العائلة قائلا : لن تجد أحسن من عادل ابن أخي ، تربية وأخلاق أضف إلى ذلك فهو مهندس.

نزل الخبر على مسمع البنت كالصاعقة وكادت أن يغمى عليها .

فهي لم تفكر ولا للحظة أن نتزوج بهذه السرعة.

تشجعت بعد أن مسحت دموعها وخرجت تحتج قائلة :

ابي انا مازلت صغيرة أريد إكمال دراستي.

قاطعها والدهاء قائلا : لا نقاش القرار اتخذ وانتهى الأمر.

تدخلت الأم : ولكن عادل  عمره ثلاثين سنة وابنتنا لم تتجاوز سبع عشرة سنة ألم تنتبه لهذا الأمر.

صرخ الأب : ولا كلمة، الرجل لا يعيبه سنه ،وعدا ذلك فقد أعطيت كلمتي.ولن اتراجع عنها.

ذهبت البيت إلى غرفتها تذرف الدموع  ،وتندب حظها التعيس.

 

بعد أسبوع  تم حفل الخطوبة  والتقت يومها أمل مع عريسها الذي ألبسها خاتم الخطوبة تحت زغاريد النساء .

 أحست  البنت بخيبة أمل ولكنها لم تنطق ببنت شفة.

 

مرت الشهور ووجدت أمل نفسها عروس.

كثيرا ما كانت تحاول إقناع نفسها  بما زرعوه في عقلها الصغير: الزواج سنة الحياة والمرأة ليس لها إلا زوجها والمهم أن العريس ابن عائلة  ومتعلم ،لكنها في قرارة نفسها،

 كانت تأمل من الحياة الكثير ،كانت تريد أن  تدخل الثانوية والجامعة ،ولكن العرف كان أقوى، لا يؤمن بالحرية ويهوى العبودية.

رضخت لواقعها وحاولت  إسعاد زوجها خاصة  أنه  شاب حنون و متفهم .

صارت أمل ربة بيت تطبخ وتمسح وتجلي وترتب ونسيت لوهلة أحلامها.

لكن سرعان ما عاودها الحنين إلى المئزر الأبيض والمحفظة  والدفاتر،  وخاصة عندما ترى البنات ذاهبات أو غاديات من المدرسة.

أصيبت باكتئاب حاد واحتار زوجها أي طبيب يمكنه شفاؤها

 امتنعت عن الطعام لأيام واختفت ابتسامتها ،وارتسم الحزن على محياها  واضمحل بريق عينيها .

كانت تنوي الرحيل بصمت عن هذا العالم المتعجرف ،هذا العالم الذي حرمها أبسط حقوقها  في التعلم.

التفت العائلة حولها وهي ممددة على سريرها ،ينظرون إليها بعيون الإشفاق غير مدركين أنهم السبب فيما يحدث لها .

 وهي تنظر إليهم غير معاتبة ولا لائمة ،لأن المعركة قد حسمت في ذهنها .فما جدوى العتاب.

 

فهم عادل ما يحدث لها وقرر أن ينتشلها من ذلك النفق المظلم  وذهب في الحين وسجلها في مدرسة خاصة.ورجع إلى البيت قائلا لها اليوم سننهي هذه المهزلة وسأحقق لك كل ماتريدين. 

انهضي والبسي سنذهب إلى بيت والدك وستبقين هناك أياما حتى ترتاحي.

 

لبست  أمل وأخذت شنطتها ،  ركبت السيارة  وهي صامتة،لكنها لاحظت أن هذا ليس الطريق إلى بيت والدها ،أوقف السيارة أمام بناية كبيرة وأخرج من جيبه استمارة التسجيل وناولها إياها قائلا : لقا سجلتك في هذه المدرسة ،ستواصلين تعلمك وستحققين أحلامك أعدك بذلك.

فرحت البنت واغرورقت عيناها بالدموع وبكت على كتف زوجها وهي تقول : أصحيح ما تقول ؟

نعم وبعد حصولك على شهادة البكالوريا ستدخلين والجامعة وساشتري لك سيارة تذهبين بها.

أحست الطفلة أن نفسها ردت إليها وسألت متى أبدأ الدراسة ؟

غدا إن شاء الله ، الآن لدينا عمل مهم ،سنشتري الملابس المناسبة ولوازم الدراسة ،موافقة ؟

نعم موافقة ،شكرا لك يا أحسن زوج في العالم .

 وهكذا انتهت معاناة أمل وعادت البسمة إلى ثغرها وأحبت زوجها وسعدت بحياتها  لأن العلم نور  يضيء دروبا مظلمة ويفتح آفاقا ويحارب الجهل والعادات البالية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

28

متابعين

44

متابعهم

11

مقالات مشابة