
سفاح نابل: المجرم الذي هزّ تونس واحتل مكانة سوداء في تاريخها الحديث
سفاح نابل: المجرم الذي هزّ تونس واحتل مكانة سوداء في تاريخها الحديث
يبرز اسم ناصر الدامرجي، المعروف بلقب "سفاح نابل" أو "جزار نابل"، بأحد أبرز قصص القتل المتسلسل في التاريخ التونسي المعاصر. فقد ارتكب سلسلة جرائم مروعة ضد الأطفال خلال ثمانينيات القرن الماضي، لتتحوّل إلى حدثٍ مأساويٍ لا يُمحى من الذاكرة الجماعية.

النشأة والطفولة المضطربة :
ولد ناصر الدامرجي عام 1944 في العاصمة تونس، كابن شرعي لأم تدعى "حورية" كانت تعمل في مجال الدعارة، وسُجنت وهي حامل. لم يلتقِ بوالده الحقيقي إلا بعد مرور ثلاثين عامًا . درس في "مدرسة أطفال بورقيبة" المخصصة للأيتام، لكن انقطع عن التعليم مبكرًا ليعمل في الزراعة، وهو المجال الذي أتاح له الاستقرار المادي النسبي . انتقل إلى فرنسا عام 1964 بعد خطب ابنة خالته، وعند عودته عام 1968 وجدها متزوجة، ما أشعل فيه رغبة الانتقام المكبوتة .
بداية الرعب: جرائم منظمة وقاتلة
في 15 يونيو 1987، ارتكب الدامرجي جريمته الأولى بحق طفل يدعى محمد علي، اختطفه إلى مزرعته تحت ذريعة مساعدته في جني اللوز، ثم حاول اغتصابه وعندما قاوم الطفل، خنقه حتى الموت ودفنه سراً . لم يرتكب أي جريمة أخرى حتى فبراير 1988، ثم بدأ نمطاً مروعاً من الخطف والاغتصاب والقتل، استهدف فيه أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 10 و 18 عامًا، ليصل عدد ضحاياه إلى 14 شخصًا . من بين ضحاياه كان ابن خطيبته السابقة، رامزي، الذي ذبحه بأبشع طريقة ممكنة، لتصبح تلك الحادثة الدافع الرئيسي لإدانته .

القبض الإعدام تحوّل القضية إلى رمز
قبض عليه في 27 نوفمبر 1989 بعد أن اشتبه به عدة مرات سابقاً لكنه أُطلق لعدم وجود أدلة كافية . وبعد محاكمة دون دفاع من المحامين (حيث رفض كثيرون الدفاع عنه)، حُكم عليه بالإعدام. أُعدم شنقًا في 17 نوفمبر 1990، في سجن "الناظور" في تونس، وكان آخر من نُفّذ فيه حكم الإعدام في البلاد . تناول شهود التنفيذ أن عملية وفاته استغرقت حوالي 13 دقيقة، وهي مدة استثنائية في تاريخ تنفيذ الإعدام .
الأبعاد النفسية والتداعيات المجتمعية
يُرصد في شخصية الدامرجي اضطرابات نفسية معقدة: من انعدام الحنان الأسري في طفولته إلى عقدة الطرد والانتقام من الماضي. وقال محاميه، خلال إحدى البرامج الإعلامية التي استعرضت القضية، إنه كان يعيش "نوبات يشعر فيها بحرارة تغمر جسده يرتكب خلالاتها جرائمه دون أن يرمش" . وأشار تقرير طبي إلى أنه لم يُظهر أي مشاعر ندم أو تأنيب ضمير، بل كان يبتسم خلال سرد تفاصيل جرائمه . كما مثّلت هذه الجرائم صدمة كبيرة للمجتمع التونسي؛ إذ عاش أهالي نابل وغيرهم في خوف دائم وقلق، خاصةً من إرسال أولادهم إلى المدارس وحدهم أو السماح لهم بالخروج دون رفقة.
السينما تُوثّق قصة الدامرجي
لم تقتصر القصة على الكتب أو الصحف؛ بل تحوّلت إلى فيلم روائي طويل بعنوان "سفاح نابل" من إخراج كريم بن رحومة. أُنتج هذا العمل الذي يُعد أول فيلم طويل للمخرج منذ عام 2017، وصوّر في مدة لا تتجاوز الأسبوعين في مختلف مواقع نابل وبعضها في فرنسا . الفيلم عُرض لأول مرة في ديسمبر 2022 بالجزائر وباريس وتونس، ولاقى إقبالاً جماهيريًا هائلًا، حيث بيع أكثر من 70 ألف تذكرة في دور السينما، وحظي بإشادات نقدية على الجرأة والعمق النفسي . وحصل على تنويه خاص في مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية، كما شارك ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة .

الخاتمة: إرث قاتم لا يُمحى
تبقى قصة ناصر الدامرجي واحدة من أكثر الجرائم المروعة في التاريخ الحديث لتونس. ورغم مرور عقود على تنفيذ الحكم عليه، فإن "سفاح نابل" لا يزال رمزًا للرعب والصدمة، ودليلًا قويًا على أهمية التربية الاجتماعية والصيانة النفسية للأطفال. كما يثير حديثه عن العدالة الجنائية والتعامل المجتمعي مع مثل هذه الحالات، وضرورة دعم الضحايا وأسرهم، وينبّه إلى الخلل الذي يمكن أن يولد مجرمًا أسطوريًا.