
رواية أطفال الغبار الأزرق مقدمة
مقدمة رواية أطفال الغبار الأزرق

المدينة الصامتة
المدينة بدت وكأنها خارجة من حلم غريب. الشوارع فارغة، والمباني متهالكة، لكن أكثر ما شدّ الانتباه هو ذلك الغبار الأزرق الذي يغطي كل شيء، يطفو في الهواء كذرات ضوء متناثرة.
كان الأطفال يقفون عند أطراف أحد البيوت المهجورة، يحدقون بدهشة في المشهد.
ليان تميل إلى النافذة، همست باندهاش:
"هل… ترون كيف يلمع؟ كأنه يتنفس…"
رامي ضحك بخفة ليكسر الصمت:
"مجرد تراب قديم! لا يوجد شيء سحري هنا."
لكن هالة شبكت يديها بتوتر وقالت بصوت خافت:
"لا… هناك شيء مختلف. أشعر به من حولنا."
كريم ظل صامتًا للحظة، ثم قال بجدية وهو يتفحص المكان:
"المدينة نفسها لا تبدو عادية… ربما علينا أن نحذر."
أصداء غامضة
بينما كانوا يتجولون في الشوارع الخالية، خيّم عليهم شعور غريب بأن المكان يراقبهم. المباني المتصدعة بدت وكأنها تميل قليلًا نحوهم، والنوافذ المحطمة تشبه أعينًا مظلمة تحدق في صمت. كان الهواء ثقيلاً، والغبار يطفو في دوائر صغيرة حول خطواتهم، كما لو أنه يستجيب لحركتهم.
ثم، فجأة، سمعوا صوتًا غريبًا. لم يكن واضحًا… مجرد صدى بعيد، أشبه بهمس الريح، يتردد بين الأزقة المهجورة.
ليان توقفت فجأة، تنصت باهتمام:
"سمعتم ذلك؟ كأن أحدهم يهمس."
رامي هز رأسه بسرعة محاولًا أن يبدو واثقًا:
"خيال. أنتِ تتأثرين بالجو فقط."
لكن هالة أمسكت بذراع كريم بعصبية، وعيناها تتسعان خوفًا:
"لا… إنه حقيقي. سمعت كلمة… لا أعرف… لكنها بدت وكأنها تقول: اقتربوا."
كريم رفع بصره نحو البنايات العالية المتهالكة وقال ببطء:
"إذا كان صوتًا، فهو لا يشبه أي شيء سمعناه من قبل. هذا المكان ليس فارغًا تمامًا كما يبدو."
ظلال تتحرك
بينما تقدموا في شارع جانبي مغطى بالركام، انحنت ليان فجأة وهي تشير نحو الظلال الممتدة تحت أحد المباني شبه المنهارة. هناك، لمحوا ظلًا صغيرًا يتحرك بسرعة، كوميض أزرق يمر ثم يختفي.
شهقت ليان وهي تتراجع خطوة:
"هناك! رأيتم؟ شيء يتحرك!"
ركض رامي بخطوات مسرعة نحو المكان، صوته يتردد في الممر الفارغ:
"مجرد قطة أو فأر! سأثبت لكم أنه لا يوجد شيء."
لكنه عندما وصل لم يجد سوى الغبار متناثرًا على الأرض، يتحرك في دوامات صغيرة كما لو كان قد استُفزّ للتو.
هالة غطت فمها بكفها وهمست بخوف:
"إنه ليس حيوانًا… هذا مؤكد. لم أرَ شيئًا يتحرك بهذه السرعة."
كريم اقترب ببطء، عينيه تراقبان الأرجاء بحذر:
"مهما كان… يجب ألا نتسرع. ربما ما رأيناه لم يكن مجرد ظل."
ليان، رغم الخوف، لم تستطع إخفاء فضولها:
"إن كان هناك من يختبئ… فلا بد أنه يعرف شيئًا عن هذه المدينة."
العلامة على الجدار
بعد دقائق من السير وسط الأزقة الصامتة، توقفوا فجأة أمام جدار نصف متهدم. بدا الجدار وكأنه يحمل أثرًا قديمًا، لكنهم سرعان ما لاحظوا خطوطًا محفورة بعمق، بخط غريب ومائل. اقتربوا ببطء لقراءة ما كُتب، وكانت الكلمات تبدو وكأنها تتوهج بخفوت تحت انعكاس الغبار:
"الغبار يراقبكم… والمدينة تحفظ أسرارها."
ارتجفت هالة وتراجعت بخطوة، صوتها يختنق بالقلق:
"من كتب هذا؟! وهل ما زال هنا؟"
رامي بلع ريقه وحاول أن يخفي ارتباكه بابتسامة مترددة:
"مجرد مزحة قديمة… أو خرافة كتبها شخص ما قبل أن يرحل."
لكن كريم ظل يحدق في الكلمات بتمعن، حاجباه معقودان:
"لا. هذه ليست مجرد خرافة. الرسالة حديثة نسبيًا… وكأن أحدهم أراد أن نجدها."
ليان مدت يدها ببطء نحو الحروف المحفورة، لكنها توقفت قبل أن تلمسها، وهمست بعينين مليئتين بالفضول والخوف:
"هذا تحذير… لكنه أيضًا دعوة. علينا أن نعرف. لا يمكننا أن نتجاهل هذا."
وبين الصمت الثقيل والفضول الذي أشعل قلوبهم، تابع الأطفال خطواتهم داخل المدينة الغامضة، غير مدركين أن هذه اللحظة هي بداية الرحلة التي ستغير حياتهم إلى الأبد…
رحلة أطفال الغبار الأزرق.
تابعونا للفصل القادم