
السماء لا تتسع لنا -الفصل السابع (الكاتبة علا ابراهيم )
أغلق الهاتف ورماه فوق السرير، ثم دخل إلى الحمام لأخذ شاور.
وبعد أن ارتدى ملابسه ورشّ عطره المفضل، وقف أمام المرآة يرمق انعكاسه بنظرة رضا. التقط حقيبته وانطلق نحو السيارة دون أن يسأل عن تلك الخادمة ولو لمرة.
---
وصل أخيرًا إلى القصر، حيث استقبله الجميع بترحاب واضح. انحنى البوّاب له سريعًا، وخفض الجميع رؤوسهم احترامًا، رغم أنه لم يتجاوز الحادية والعشرين.
كانت خالته "روما" أول من استقبله، وابتسامتها تفضح لهفتها لرؤيته… كأن الحياة دبت في أوصالها من جديد.
بادلها ابتسامتها الواسعة وسأل عن أحوالها، فهي خالته، حبيبته ومدللته منذ الصغر.
قالت روما بخوف: – «ادخل يا حبيبي، يلا… الأكل جاهز ومستنيك.»
– «حاضر يا خالتي… هطلع آخذ شاور وألبس عشان المشوار اللي ورانا، وانزل آكل.»
تأملت وجهه للحظة، ثم قالت بضيق خفي: – «أنا خايفة، خايفة البت دي تاخدك مني.»
زينت شفتيه ابتسامة مغازلة وهو يهمس بثقة: – «محدش يقدر ياخدني منك.»
ضحكت روما ضحكة صافية، بينما صعد هو إلى الأعلى.
---
وقفت سيارته وسيارة خالته أمام منزل عائلة "الأرجواني" الشهيرة، ذات الأصول التركية.
دخل فاروق بكامل فخامته، مرتديًا بدلة سوداء أنيقة، وإلى جانبه روما بملابسها المتعالية ونظراتها الثاقبة. كان القصر يليق بهما تمامًا.
السماء لا تتسع لنا

استقبلهما السيد "الأرجواني" بابتسامة عريضة، صافح فاروق ثم ربّت على وجهه بحنو كأنه ابنه.
جلست روما إلى جانب والدة سيدرا، بينما انشغل فاروق بالحديث مع السيد "الأرجواني". لكن فجأة، توقف الكلام، وكأن كل شيء تجمّد…
خرجت سيدرا
كأنها لوحة فنية، بجمالها الخارق، شعرها الأشقر المنسدل وعيونها الزرقاء اللامعة كسماء صافية. لم تكن مجرد فتاة جميلة، بل هالة من الجاذبية، بنبرة صوتها الناعمة، وحركاتها الرزينة، ونظراتها التي تخطف الأنفاس.
تعلّقت عيناه بها، ولم يستطع أن يشيح بنظره عنها، قبل أن يقول بثقة:
– «أنا جاي أطلب إيد بنتك يا عمي.
في تلك اللحظة، رفعت سيدرا عينيها نحوه… نظرة قصيرة، لكنها كافية لتشعل بداخله رغبة خفية. أخفضت عينيها سريعًا، بينما هو ظلّ ينظر حتى هزّه السيد "الأرجواني" بابتسامة:
– «أنا موافق… نقرأ الفاتحة.
أومأ فاروق برأسه بهدوء، وابتسامة هادئة تعلو ملامحه، بينما انسحبت والدة سيدرا وسحبت زوجها معها، وتبعهما روما بهدوء، ليتركوا العروسين وحدهما.
سيدرا جلست بصمت، تنظر إليه بضيق خفي، بينما هو ما زال يحتفظ بابتسامته المغازلة، يجلس بجوارها، يقترب قليلًا ثم يهمس بصوته المنخفض:
– «مبروك.»
تفاجأت بنبرته، رفعت رأسها نحوه فجأة، ليغمز لها بعينيه بخفة، جعلتها تهز رأسها وكأنها تقول: "لا فائدة".
قالت بتصنع الضيق: – «ممكن أعرف عايز تتجوزني ليه؟ وإنت مشوفتنيش غير مرة؟! وحتى المرة دي كنت غريب جدًا في تصرفاتك!»
ظل ينظر في عينيها دون إجابة لثوانٍ، ثم اقترب منها أكثر وهمس: – «عشان عاجباني… تفتكري دا مش سبب كافي؟»
كان مظهره، ابتسامته الطفولية، ولهجته المتأثرة، كلها تشي بمدى انجذابه لها… لم تكن فقط جميلة، بل تحمل في ملامحها حنان خفي، حنان لمسه حين رآها أول مرة في محل العطور. ربما لهذا السبب شعر أنها خُلقت لأجله.
نظرت لعينيه مرة أخرى، ثم أشاحت بنظرها بعيدًا، لا تدري لماذا، لكنها كانت تشعر برغبة في احتضانه… منذ أول لحظة رأته فيها.
---
دخل والد سيدرا ووالدتها ومعهم روما، فنهضت سيدرا سريعًا، ولحقها فاروق واقفًا. صافح والدها ثم استعد للمغادرة. وهو في طريقه للخروج، ألقى نظرة أخيرة نحو سيدرا، ليفاجأ بأنها تنظر إليه هذه المرة… بعينيها الزرقاوين الساحرتين.
ابتسم لها بسعادة
ركب السيارة إلى جانب خالته، وقد تم تحديد موعد الفرح في نهاية الأسبوع. أسرع كثيرًا في ترتيبه، وكأنه لا يريد منح القدر أي فرصة لتغيير مساره.
عاد فاروق إلى القصر بصحبة خالته روما، وكان الليل قد أسدل أستاره بهدوء، بينما تسللت أنوار السيارة بين أشجار الحديقة الفخمة.
توقف أمام البوابة الحديدية الواسعة، لكن شيئًا لم يكن طبيعيآ……
رجل بملابس عسكرية واقف أمام الباب، ملامحه صارمة، ونظراته حادة.
– «فاروق…؟»
قالت روما بتفاجؤ وهي تنزل من السيارة وتنظر إلى الضابط. قلبها بدأ ينبض بقوة، توتر واضح على ملامحها.
– «حضرتك جاي عندنا؟ إحنا عائلة القناوي!»
رد الضابط بثبات: – «أيوه… جايين لفاروق القناوي.»
شهقت روما، ووجهها شحب
الكاتبة :علا ابراهيم