
السماء لا تتسع لنا -الفصل الثامن(الكاتبة :علا ابراهيم)
عاد فاروق إلى القصر بصحبة خالته روما، وكان الليل قد أسدل أستاره بهدوء، بينما تسللت أنوار السيارة بين أشجار الحديقة الفخمة.
توقف أمام البوابة الحديدية الواسعة، لكن شيئًا لم يكن طبيعيًا…
السماء لا تتسع لنا

رجل بملابس عسكرية واقف أمام الباب، ملامحه صارمة، ونظراته حادة.
– «فاروق…؟»
قالت روما بتفاجؤ وهي تنزل من السيارة وتنظر إلى الضابط. قلبها بدأ ينبض بقوة، توتر واضح على ملامحها.
– «حضرتك جاي عندنا؟ إحنا عائلة القناوي!»
رد الضابط بثبات: – «أيوه… جايين لفاروق القناوي.»
شهقت روما، ووجهها شحب: – «إنت بتقول إيه؟!… عايز تقبض على فاروق؟ إنت عارف دا يبقى مين؟!»
كانت على وشك الانفجار غضبًا وخوفًا، لكن يد فاروق امتدت بهدوء، تمسك بيدها، ضغط عليها بنظرة مطمئنة.
همس بثقة: – «أنا عارف هو عايز إيه… هاروح معاه، وهرجع أقولك كل حاجة.»
نظراته كانت مؤكدة، صارمة، تشبه مَن يذهب في مهمة يعرف خباياها جيدًا. روما لم تفهم، لكنها اطمأنت قليلًا، هزت رأسها ببطء مودعة، وما زالت علامات القلق تكسو وجهها.
ركب فاروق مع الضابط، وكأن الأمر مجرد نزهة سريعة، لا ذهاب إلى قسم شرطة.
وصل فاروق إلى وجهته، ولم يكن المكان قسمًا، بل مكتب العقيد نفسه. وهذا وحده كافٍ ليدل على مكانة فاروق.
لكن المفاجأة كانت في الداخل…
جلست "أروى" على الأريكة، أمامها كوب عصير بارد، بينما العقيد – أو الضابط – يجلس خلف مكتبه، ينظر إلى فاروق عند دخوله.
وقف الرجل يستقبله بحفاوة:
– “معلش يا فاروق بيه... بس الآنسه مقدّمة فيك بلاغ.”
تبدلت ملامح فاروق، نظرة دهشة ارتسمت على وجهه وهو يسأل:
– “آنسة مين؟”
أشار الضابط تلقائيًا نحو أروى، ليحوّل فاروق بصره نحوها، يقترب منها بنظرةٍ غريبة، مزيج من العتاب والرقة المصطنعة:
– “إيه اللي خرجك من البيت يا أروى؟ وكمان جايه تبلغي عني؟”
أروى شهقت بصمت، نظرت له بذهول... عن أي بيت يتحدث؟!
أي مسرحية هذه؟!
لكن فاروق لم يمنحها فرصة للكلام، توجه نحو العقيد يكمل بنبرة مَن يحاول احتواء الموقف:
– “معلش... للأسف مراتي ساعات بيتهيأ لها حاجات كده... وأهي جاية تبلغ عن جوزها.”
صوت ارتطام كلمات فاروق بداخلها كان أقوى من أي صفعة.
وقفت أروى فجأة، كأن جسدها يرفض ما تسمعه أذناها، ونظرت إليه بذهول:
– “مراتك مين؟! وجوزها إيه؟!”
التفتت نحو الضابط، نظراتها تتوسل الإنصاف، لكنها اصطدمت بتعابير رجل بدأ يميل لتصديق فاروق... مكانة الأخير جعلت الشكوك تميل لصالحه.
همست بنبرة منكسرَة:
– “أنا مش مراته... متصدقوش!”
أخرج فاروق ورقة من جيبه، نظر إلى الضابط بثقة:
– “أنا معايا ورقة الجواز...”
أخذ الضابط الورقة، قرأها، ثم نظر إلى أروى وقد بدأ يقتنع. الأوراق لا تكذب، لكن أروى كانت تصرخ بعينيها قبل لسانها.
– "أنا مش مراته..." قالتها بدموع خرساء، ثم أضافت:
– “هو بيكذب... بالله عليك متصدقوش...”
لسببٍ لا يفهمه، شعر فاروق بالغضب…
لا من اتهامها، بل من طريقتها الضعيفة، من توسّلها لرجل آخر…
لماذا لم تلجأ إليه؟ لماذا تظهر بهذا الانكسار أمام غيره؟!
كانت عينيه تحدّق بها، ملامحه جامدة، لكن النار تشتعل بداخله.
الكاتبة :علا ابراهيم