أصوات خلف الجدار

أصوات خلف الجدار

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

.

أصوات خلف الجدران

image about أصوات خلف الجدار

 البيت الذي يرفض الصمت

في أطراف قرية منسية، يقف بيت مهجور غارق في الظلال. نوافذه محطمة، وأبوابه تصدر أنينًا مع كل هبة ريح. أهل القرية لا يقتربون منه، ويؤكدون أن من يدخل لا يخرج إلا جثةً بلا ملامح.

لكن "يوسف"، شاب في أواخر العشرينات، لم يكن يصدق الخرافات. جاء من المدينة باحثًا عن الحقيقة، ومعه كاميرا ودفتر ملاحظات، مصممًا على فضح "أسطورة البيت المسكون".

ما إن دخل، حتى شعر بثقل غريب في الهواء، كأن الجدران ترفض وجوده. داخل البيت، وجد رسومًا محفورة بأظافر على الجدران. سمع خطوات خلفه، لكن حين التفت لم يجد أحدًا.

جلس ليسجل ملاحظاته، فالتقطت الكاميرا أصوات همسات غير مفهومة بين كلماته. انطفأ المصباح فجأة، وغرقت الغرفة في الظلام. ثم دوّت ضحكة مشوهة من زاوية المكان.

– "لقد تأخرت… كل من دخل لم يخرج."

شعر بيد باردة تمس كتفه، وحين التفت لم ير سوى عينين حمراوين تحدقان به من الفراغ.


 الوجوه التي لا تنام

هرب يوسف عبر الممر الطويل، والجدران تنزف ماءً أسود. هناك مرآة مكسورة، نظر إليها… فرأى وجوهًا بلا عيون تتحرك في الداخل. أحدها مد يده ليخنقه، والكل يهمس:
– "لن تنجو… لن تنجو…"

فرّ إلى الطابق العلوي، حيث باب موصد بسلاسل. من الداخل، انطلق صراخ طفل. فكّ السلاسل بيد مرتجفة، فانفجر الباب. الغرفة فارغة إلا من سرير فوقه دمية ممزقة، تصرخ بصوت الطفل.


 ماضي الدم

لم يعد يوسف يطيق الصمت. صرخ:
– "من أنتم؟! ماذا تريدون؟"

فجأة، انطفأت الريحان التي تحيط البيت بالخارج، وغمر المكان سكون ثقيل. الدمية على السرير فتحت فمها، وصوت غريب انطلق منها:

– "كان هنا ملجأ… للأطفال اليتامى. الطبيب الذي أداره لم يكن طبيبًا، بل جزارًا. كان يعدهم بالأمان، ثم يجرّب فيهم طقوسه."

رأى يوسف صورًا تتفجر أمام عينيه: أطفال يصرخون، جدران مضرجة بالدم، دوائر غريبة مرسومة بالرماد.

– "أرواحنا عالقة هنا… نُعذَّب كل ليلة. والباب الذي فتحته، لم يكن ليُحررنا… بل ليُحرره."

ارتجف يوسف:
– "من هو؟"

لكن قبل أن ينال الجواب، ارتجّ البيت، وصوت خطوات ثقيلة بدأ يقترب من الدرج.


عودة الطبيب

ظهر رجل طويل القامة، بملابس سوداء بالية، وجهه مغطى بقناع جلدي. في يده مشرط صدئ يقطر دمًا. اقترب بخطوات بطيئة، وصوته كخليط من عشرات الأصوات:

– "أخيرًا… بابي انفتح."

ركض يوسف عبر الممر، لكن كل باب فتحه أعاده لنفس الغرفة. كأن البيت متاهة بلا مخرج. الوجوه في المرآة كانت تضحك الآن، تفرح بعودته.

– "هو سيذبحك كما ذبحنا."


 الصفقة

اختبأ يوسف داخل خزانة خشبية. سمع الطبيب يقترب، يهمس:
– "لن تختبئ طويلًا…"

لكن فجأة، انطلقت همسات الأطفال من كل مكان. أحد الأصوات قال بوضوح:
– "حررنا… نحررك."

نظر يوسف فوجد على الأرض دائرة مرسومة بالرماد، وفي وسطها كتاب قديم. مد يده إليه، وبدأ يقرأ كلمات لم يفهمها، لكنها جعلت الجدران تهتز. صرخ الطبيب بغضب، واقترب ليقطع رأسه.

يوسف واصل القراءة، وبدأت النار تخرج من الرموز على الجدران، تحاصر الطبيب وتمنعه من التقدم.


 النهاية التي لم يتوقعها

صرخ الطبيب، وتفتت جسده إلى دخان أسود صعد إلى السقف. البيت كله اهتز، والسلاسل في الغرفة الأولى عادت لتغلق الباب بإحكام.

ظن يوسف أنه نجا. لكنه حين نظر إلى الكاميرا التي يحملها… رأى نفسه على الشاشة بوجه مشوّه، عينان حمراوان، وابتسامة ممسوخة.

ثم سمع الهمسات الأخيرة:
– "أنت الآن واحد منا."

خرج يوسف من البيت مع طلوع الفجر، لكن أهل القرية الذين رأوه لاحقًا قالوا إن عينيه لم تعودا بشرية، وإنه صار يقف عند نافذة البيت ليلًا، يبتسم، وينتظر الضحية التالية.


التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-