وقعت في حب مصاص دماء
- مقدمه نورا
انا نورا ولقد
"وُلدتُ في ليلةٍ ماطرة، ليلة لم ينتظرني فيها أحد.
كان أول أنفاسي يتداخل مع صفارات الإسعاف وضوءها الأحمر الذي انعكس على جدران غرفة الولادة، بينما أبي وأمي رحلا في حادثٍ مروّع في اللحظة نفسها التي جئتُ فيها إلى هذا العالم.
لم يكن هناك من يمد لي يده… لم يكن هناك من يحتضنني.
كنتُ البداية التي دفعت ثمنها النهاية."
"كبرتُ يتيمة، أتنقل بين بيوتٍ لا تشبهني ووجوهٍ لا تحفظ اسمي.
تعلمتُ أن أبكي بصمت، وأن أدفن حزني عميقًا، لأن العالم لا يرحم القلوب الهشّة.
كنتُ الفتاة التي لا يفتقدها أحد إن غابت، ولا ينتبه لوجودها إن حضرت.
كل ليلة، كنتُ أضم وسادتي وأتخيل حضنًا لم أعرفه، وصوتًا لم أسمعه يومًا، وأقول لنفسي: غدًا سيكون أفضل.
لكن الغد كان دائمًا نسخة مشوّهة من الأمس."
"وحين كبرت، قررت أن أهرب… لا من الماضي، فذلك مستحيل، لكن من الشعور بالعجز الذي يطاردني.
الجامعة كانت طوق النجاة الذي تمسكتُ به.
أردتُ أن أبدأ من جديد، أن أثبت لنفسي قبل الآخرين أنني لست مجرد فتاة فقدت كل شيء، بل فتاة يمكنها أن تصنع لنفسها مستقبلًا."
"في الجامعة، لم يكن الأمر سهلًا.
زملائي يعيشون حياة مختلفة تمامًا عن حياتي:
عائلات تنتظرهم في البيت، وجيوب ممتلئة، وضحكات صاخبة لا أفهم سرّها.
أما أنا… كنتُ أعود كل مساء إلى غرفة صغيرة تستأجرها فتاة تشاركني السكن، غرفة لا تحمل ذكريات ولا دفء.
كنتُ أدرس نهارًا، وأعمل ليلًا في مقهى قريب لأدفع مصاريف الجامعة.
كنتُ متعبة، لكنني راضية… أو هكذا كنتُ أقنع نفسي."
"ومع ذلك، كان هناك دائمًا فراغ في داخلي، فراغ لا تملؤه الكتب ولا العمل ولا الضحكات المتكلفة.
كنتُ أراقب صديقاتي وهنّ يتحدثن عن الحب وكأنه شيء طبيعي، عن عائلاتهن وكأنها جدار ثابت خلف ظهورهن، وأشعر أنني أقف في مكان آخر تمامًا.
كنتُ وحيدة، حتى وأنا وسط الزحام."
"ومع مرور الأيام، بدأتُ أشعر بشيء غريب.
نظراتٌ تلاحقني أحيانًا، شعورٌ غير مريح يراودني كلما سرتُ وحدي في الطرقات.
ظننتُه مجرد توتر بسبب الامتحانات وضغط العمل، لكن في أعماقي…
كنتُ أعرف أن هناك شيئًا آخر.
شيئًا لم أستطع فهمه بعد."
الفصل الأول – غريب ف الجامعه 🧛🏻
لم أكن أظن أن هذا اليوم سيحمل شيئًا مختلفًا.
كان صباحًا عاديًا، أو هكذا بدا في البداية.
استيقظتُ مبكرًا، كعادتي، وذهبتُ إلى الجامعة متعبة من ليلة عمل طويلة في المقهى.
الجامعة كانت تعجّ بالطلاب، أصواتهم وضحكاتهم تختلط مع رنين الهواتف وصفارات السيارات القادمة من الشارع القريب.
لكن وسط كل هذا الضجيج… لاحظتُه.
شابٌ يسير بثقة لم أرَ مثلها من قبل، يرتدي قميصًا أسود وبنطالًا داكنًا، كل شيء فيه كان أسود، حتى حقيبته.
بشرته شاحبة على نحوٍ غريب، لكن وسامته كانت لافتة بشكل يصعب تجاهله.
كان يمشي بهدوء وكأنه لا يرى أحدًا حوله، بينما الجميع كانوا يلتفتون إليه.
هناك شيء في حضوره… شيء جعل قلبي يخفق دون سبب واضح.

رأيته يتجه إلى مكتب المديرة.
كنتُ في الطابق العلوي بالقرب من الدرج، فاستندتُ إلى السور بهدوء لأراقب.
من مكاني، استطعتُ سماع جزء من الحديث.
"اسمك غير موجود في السجلات."
صوت المديرة كان حازمًا، وهي تقلّب الأوراق أمامها.
لكن الشاب لم يبدُ قلقًا، بل اكتفى بابتسامة خفيفة جعلتني أزداد فضولًا.
اقترب منها قليلًا، وقال بصوتٍ هادئ لكن حازم:

"راجعي مرة أخرى… ستجدينه."
كنتُ متأكدة أنها قالت اسمه غير موجود، لكن بطريقة ما، تغيرت ملامحها فجأة.
عيناها اتسعتا للحظة، ثم نظرت إلى الأوراق من جديد، وكأنها اكتشفت شيئًا لم يكن هناك قبل لحظات.
"أ… أجل، ها هو. انت نور يبدو أنني كنتُ مخطئة."
قالتها بصوتٍ متردد، وكأنها لا تصدق نفسها.
شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي.
لم أفهم ما حدث، لكن شيئًا في الموقف كان… غير طبيعي.
غادر الشاب المكتب بخطوات هادئة، ومرّ بجانبي دون أن يلتفت.
اقترب بما يكفي لأشم عطره الغامض، عطر ثقيل، داكن، يترك أثره في الهواء حتى بعد رحيله.
ورغم أنني حاولتُ أن أبدو متماسكة، إلا أن قلبي كان يخفق بقوة.
---
في حصة التاريخ، رأيته مرة أخرى.
جلس في المقاعد الأمامية، بينما جلستُ أنا في الخلف كعادتي.
كان يستمع إلى المحاضِرة بهدوء، عينيه مركّزتان، بينما الطلاب الآخرون يتثاءبون أو ينشغلون بهواتفهم.
وعندما طرحت الدكتورة سؤالًا صعبًا عن إحدى الحروب القديمة، رفع يده وأجاب بدقة مذهلة، كأنه عاش تلك الحقبة بنفسه.
قال أحد الطلاب ساخرًا:
"يبدو أنك كنتَ هناك يا عبقري!"
ضحك الجميع، لكنه لم يبتسم، بل اكتفى بنظرة جعلت القاعة تصمت فجأة.
نظرة باردة، حادة، وكأنها تحمل تهديدًا غير منطوق.
---
بعد انتهاء الحصة، جمعتُ كتبي بسرعة، لكن لسوء حظي—or ربما حسن حظي—وجدته يقف أمامي فجأة.
اقترب بخطوات ثابتة، حتى شعرتُ بحرارة أنفاسه على وجهي.
لمحتُ من تحت قميصه الأسود عضلات قوية، واضحة، كأنها صُنعت بإتقان.
كان أطول مني بمقدار يجعلني أرفع رأسي لأنظر إلى عينيه، وهنا… شعرتُ بشيء غريب.
عينيه كانتا سوداويتين في عمقهما، فيهما بريق يصعب وصفه، كأنهما تخفيان عالماً لا أستطيع الوصول إليه.
"أنتِ نورا، صحيح؟"
قالها بصوتٍ هادئ، لكن نبرته حملت شيئًا يشبه السلطة، شيئًا جعلني أشعر برغبة عجيبة في الإجابة دون تفكير.
"ن… نعم."
رددتُ بخجل، وأنا ألعن ارتباكي.
ابتسم ابتسامة خفيفة، لكنها لم تكن دافئة.
"تشرفتُ بلقائك."
ثم مرّ بجانبي ببطء، تاركًا خلفه أثرًا من الرهبة والفضول، وكأنني التقيتُ بشخصٍ ليس من هذا العالم.
وقفتُ هناك للحظة، عاجزة عن الحركة، وأنا أعلم أن هذا اليوم… لن يكون عاديًا أبدًا.
---