وقعت في حب مصاص دماء 3

وقعت في حب مصاص دماء 3

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

🌒 الفصل 

الثالث – الهدايا لا تأتي بلا ثمن

استيقظت نورا في صباحٍ بدا مختلفًا منذ اللحظة الأولى.
حين فتحت نافذتها، لمحت أمام البيت سيارةً سوداء فاخرة، يلمع طلاءها تحت شمسٍ خجولة، وبجانبها رجلٌ ببدلةٍ رسمية يقف منتصبًا كأنّما وُجد ليحرس الهواء نفسه.

ترددت في النزول، ظنّت أن الأمر خطأ في العنوان، لكن صوت الرجل قطع حيرتها حين ناداها باحترامٍ بالغ:

> "آنسة نورا؟"

 

أومأت بخفوت، فتقدّم بخطواتٍ هادئة وقال:

> "أُمرتُ من السيد نور أن أوصلكِ إلى الجامعة، وأن أكون في خدمتكِ طوال اليوم."

 

تجمدت الكلمات على لسانها.

> "نور؟! ولماذا…؟"

ابتسم السائق بأدبٍ مصطنع، وقال ببرودٍ يشبه برود سيده:

> "السيد لا يفسّر أوامره، آنسة. هو فقط… يُنفّذها."

 

ترددت قليلًا، ثم وجدت نفسها تركب السيارة كأن قوة خفية تدفعها لذلك.
المقاعد كانت من الجلد الفاخر، والعطر الذي يملأ المكان هو ذاته الذي شمّته يوم حادث السيارة… رائحة نور.

جلست في صمتٍ ثقيل، تنظر من النافذة بينما السائق يقود ببطءٍ وثقة.
لم تستطع منع نفسها من التساؤل:

> "كيف عرف عنواني؟ ولماذا يهتم بي فجأة؟"

 

لكن شيئًا في داخلها، مزيجٌ من الخوف والفضول، جعلها لا ترفض.


---

حين وصلت إلى الجامعة، كانت العيون تلاحقها.
السيارة الفاخرة التي توقفت عند البوابة جذبت الأنظار، وبعض زميلاتها اقتربن وهمسوا بدهشة:

> "من صاحب السيارة؟! هل ارتبطتِ بأحدٍ ثري؟"

 

اكتفت بابتسامةٍ باهتة، لكنها في داخلها كانت تغلي بالأسئلة. ولاحظت ان نور لم يظهر قط في ذلك اليوم داخل اسوار الجامعه والغريب 
لا يلاحظ احط غيابه
وفي نهاية اليوم، كانت السيارة نفسها تنتظرها.
فتح السائق الباب وقال باحترام:

> "السيد نور طلب ألا تعودي بمفردك بعد الآن."

 

> "ولِمَ يهتمّ؟!"
سألته بنبرةٍ حاولت أن تخفي ارتباكها.

 

قال وهو يُغلق الباب خلفها:

> "السيد لا يهتمّ، آنسة… إنه يقرّر."

 


---

حين وصلت إلى بيتها، وجدت باقةً من الزهور الداكنة على الباب، تتدلى منها ورقة صغيرة كتب عليها بخطٍ أنيق:

> "لا تقفي كثيرًا في الطرق المظلمة… فالظلام له أصحاب."
تحت التوقيع: ن.

 

تسارعت أنفاسها.
هو يعرف طريق بيتها، يعرف متى تخرج ومتى تعود، وحتى لون زهورها المفضّلة.
لكنها لم تستطع الشعور بالخوف وحده… كان هناك شيء آخر — دفء غريب، أو ربما لعنة حلوة.


---

 – ما قبل الفجر

كانت رائحة الزهور الداكنة لا تزال تعبق في الغرفة، كأنها ترفض الرحيل.
لم يغمض لنورا جفنٌ طوال الليل؛
كل خيالٍ في الزوايا يذكّرها بعينيه، وكل نسمةٍ تتسلل من النافذة تحمل أثر صوته، وكأن الليل نفسه صار ممرًا لوجوده الخفي.

> "لا تقفي كثيرًا في الطرق المظلمة… فالظلام له أصحاب."

 

كانت كلماته تدور في رأسها كتعويذةٍ قديمةٍ لا تهدأ.
نهضت فجأة، دفعتها رغبةٌ غامضة لا تعرف إن كانت خوفًا أم حنينًا.
اقتربت من النافذة، فإذا بالشارع يغطّ في ضبابٍ كثيفٍ يبتلع الأضواء.
وبين السكون، مرّت نسمةٌ باردة… تحمل ذات العطر الذي تعرفه جيدًا — عطره.

ارتجفت، ثم همست لنفسها بصوتٍ خافت:

> "هل هو هنا؟"

 

لم تفكر كثيرًا. ارتدت معطفها وغادرت البيت بخطواتٍ متردّدة، تتبع شيئًا لا تراه.
المدينة كانت ساكنةً على نحوٍ مريب، والهواء مثقّلٌ كأنّه ينتظر شيئًا أن يحدث.
كلّما التفتت خلفها، لمحت ظلًا بعيدًا يتبعها، ثم يختفي.
توقفت، أنصتت، لكنّ الصمت كان أبلغ من أي صوت.

> "أنا أتوهم فقط…"
همست وهي تسرع عودتها إلى البيت.

 

لكن النوم لم يكن أرحم.
حين أغمضت عينيها، وجدت نفسها في قصرٍ غارقٍ في الظلال.
المرآة أمامها عكست وجهها أولًا، ثم تغيّر ببطءٍ حتى صار وجهًا آخر… يشبهه تمامًا.
صرخت، فاهتزت المرايا وتبعثرت كزجاجٍ ينهار في صمتٍ بارد.
استيقظت وهي تلهث، وعلى وسادتها زهرةٌ سوداء تبرق بندى الفجر.


---

في اليوم التالي، بدت شاحبة، متعبة النظرات.
وفي ساحة الجامعة، لمحته واقفًا تحت شجرةٍ عظيمة، كأن الظلّ خُلق حوله لا فوقه.
اقترب بخطواتٍ واثقة، وقال بصوتٍ هادئٍ يخفي أكثر مما يكشف:

> "يبدو أنّ الليل لم يكن لطيفًا معك."

 

نظرت إليه بدهشةٍ مرتجفة:

> "كيف عرفت؟"

 

ابتسم ابتسامةً غامضة، وقال دون أن يجيب صراحة:

> "بعض الأمور… لا تحتاج إلى سؤالٍ أو جواب."

 

ثم مضى تاركًا وراءه صمتًا أثقل من الكلمات.


---

وبينما كانت تتابعه بعينيها، جلس على مقربةٍ منهما رجلٌ عجوز على مقعدٍ خشبي، يحدّق في الفراغ كمن يبحث عن وجهٍ ضاع منه منذ زمن.
وحين مرّ نور أمامه، ارتجف العجوز فجأة، نهض مستندًا إلى عصاه، وصاح بصوتٍ مبحوحٍ يتكسّر بين الدهشة واليقين:

> "أنت!… لا يمكن… أأنت هو؟!"

 

تجمّدت نورا في مكانها، التفتت إليه، ثم إلى نور الذي وقف صامتًا تمامًا، عينيه ثابتتان لا توحيان بشيء.

ركضت فتاةٌ شابة نحو العجوز، أمسكت بيده وقالت معتذرة:

> "آسفة، جدي يعاني من الزهايمر… أحيانًا يظن أنه يعرف الناس من الماضي."

 

ابتسمت لنورا بخجلٍ وسحبته برفقٍ بعيدًا.
لكن العجوز ظلّ يلتفت إلى الوراء بين الحين والآخر، ينظر إلى نور بعينين دامعتين، وكأنه يخشى أن يفقد مَن وجده أخيرًا.

ظلّ نور واقفًا، يراقب بصمت، بينما ظلت نورا تحدّق فيه —
وفي ذهنها سؤالٌ واحدٌ يهمس دون أن تجرؤ على قوله:

> "من أنت… حقًا؟" 

 

ظلّت نورا صامتةً في طريق عودتها إلى السكن الجامعي.
وجه العجوز لم يبرح ذاكرتها، ولا تلك الرعشة التي سرت في صوتِه حين نطق باسم نور الكامل…
وكأنه يعرفه من زمنٍ آخر، زمنٍ لم تُخلق هي فيه بعد.

> "نور الدين... أنت حيّ؟!"

 

كانت الكلمات تدور في رأسها طوال الليل،
حتى غلبها النعاس، فسقطت في نومٍ ثقيلٍ كأنه بابٌ إلى ماضٍ منسيّ.


---حلم من الماضيimage about وقعت في حب مصاص دماء 3image about وقعت في حب مصاص دماء 3

رأت نفسها في حديقةٍ غارقةٍ في الضباب،
القمر يعلوها مثل عينٍ بيضاء تُراقب الأرض من بعيد،
وعطر الورد يمتزج برائحة الحديد والدم.

وهناك، على مقعدٍ حجريٍّ وسط العشب الرطب،
جلست فتاةٌ تشبهها تمامًا — ذات الملامح، ذات النظرة،
لكنّها كانت ترتدي ثوبًا أسود طويلًا يلمع كأجنحة الليل.
كان اسمها إيفلين.

وأمامها، وقف نور — شابٌّ لم يعرف بعد طعم الخلود، بعينين دافئتين ووجهٍ بشريٍّ صادق.
كان ينظر إليها كما ينظر العطشان إلى الماء، وكأنها الحياة كلّها في جسدٍ واحد.


---

قال لها وهو يبتسم ابتسامةً واهنة:

> "كلما نظرتُ إليك، أشعر أنني رأيتك من قبل… لكن لا أذكر متى."

 

ابتسمت، وردّت بصوتٍ فيه شجنٌ لا يُفهم:

> "لأنك رأيتني أكثر مما تتصوّر، يا نور… لكنّك تنسى دائمًا."

 

ضحك بخفةٍ ظنّها مزاحًا:

> "وهل يُعقل أن أنسى وجهًا كهذا؟"

 

اقتربت منه، لمست وجنته بأطراف أصابعها الباردة، وقالت:

> "بل هو القدر، يجعلنا نلتقي كلّ مرة… ثم يسرق الذاكرة قبل أن نكمل الحكاية."

 


---

كانت لياليهما تمتدّ حتى الفجر.
يجلسان عند البحيرة، تحدّثه عن نجماتٍ لم تُرَ منذ قرون،
ويحكي لها عن مدينته الصغيرة وأحلامه البسيطة،
عن خوفه من الظلام، وعن حبّه للمطر.

كانت تستمع إليه بصمتٍ عميق،
وفي كل مرةٍ تضحك،
يشعر أن قلبه يولد من جديد.

لكنّها كانت تتجنّب الضوء.
لا تقترب من المرايا، ولا تُفتح أمامها النوافذ.
وعندما سألها يومًا لماذا يداها باردتان هكذا،
قالت بابتسامةٍ غامضة:

> "لأنّ النار هجرتني منذ زمن."

 


---

في إحدى الليالي، حين احتضنها وقال لها بخفوتٍ صادق:

> "أريد أن أحبك العمر كلّه."

 

نظرت إليه طويلًا بعينين تمتلئان دموعًا لا تسقط،
وقالت بصوتٍ مرتجف:

> "وأنا أحبك كلّ أعمارك، يا نور…
لكنّ حبّي لا يُبقي البشر كما هم."

 

ثم قبّلته قبلةً طويلةً صارت بعدها الأرض تدور ببطء،
وشعر ببرودةٍ تسري في دمه،
وبنورٍ ينسحب من أطراف جسده إلى قلبه.

وفي اللحظة التي أغفى فيها على صدرها،
كانت هي تهمس قرب أذنه:

> "حين تستيقظ، ستنسى اسمي،
لكنّي سأنتظرك في كلّ زمنٍ جديد."

 


---

استيقظ نورا فجأةً من الحلم.
كانت أنفاسها متقطّعة، وقلبها يخبط كطائرٍ مذعور.
نظرت في المرآة فرأت وجهها شاحبًا،
وعيناها تلمعان بلونٍ غريبٍ… كأنهما تعرفان أكثر مما تعرف هي.

جلست تحدّق في الفراغ،
وفي داخلها صدى صوتٍ قديمٍ يتردّد همسًا:

> "كلّ مرةٍ نلتقي فيها… تنسين، ثم نبدأ من جديد."

 

رفعت عينيها نحو النافذة،
فرأت ظلًّا بعيدًا يراقبها من الشارع،
شبحًا يشبه نور في شبابه…
قبل أن يختفي في الضباب.


---

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Adham HEGAZY Hegazy تقييم 5 من 5.
المقالات

3

متابعهم

3

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.