وقعت في حب مصاص دماء 1
الفصل الثامن- قبل قرن من الزمان
قبل قرنٍ من الزمان… عام 1782
كان نور وليو بشريّين عاديين، يعيشان حياةً رتيبة داخل فندق العائلة على أطراف الغابة.
أيامهما كانت كصفحاتٍ بيضاء، لا يعرفان أنّ الليل يتهيّأ ليحوّلها إلى دماءٍ وأقدارٍ لا يُرجعها الزمان.
ومنذ زمن طويل، عرفا سرًّا صامتًا: إيفلين لا تظهر إلا حين يحلّ الليل، وكأن الظلام وحده يحتمل وجودها.
في ليلةٍ باردة، حين كان الضباب ينسكب فوق الأرض كوشاحٍ شفاف، دخلت إلى الفندق امرأةٌ لم تشبه أحدًا.
فستانها الأسود ابتلع الضوء، وكتفاه مكسوان بفروةٍ بيضاء كالثلج، وشعرها الذهبي ينساب كخيط قمرٍ ذائب.
وراءها، واقفة بصمت، خادمتها إيميلي، شاحبة الملامح، تراقب بعيونٍ تحمل رهبةً أو طاعةً صامتة.
قالت بنبرةٍ رقيقةٍ حازمة:
> "أنا إيفلين غراي…
أحتاج غرفةً خاصة."
منذ الكلمة الأولى، شعر نور برعشةٍ غامضة، وشعر ليو بأن الهواء تغيّر حولهما، وكأن وجودها وحده يكسر قوانين الليل والنهار.
ومن تلك اللحظة، عرفا أن ليلًا واحدًا يكفي ليلتقيان بها، وأن النهار يحجب حضورها عن العالم.
---
في الأيام الأولى، لم تكن إيفلين مهيبةً أو مخيفة.
كانت غريبةً هادئة، تملك شيئًا يجعل القلب ينجذب إليها دون مقاومة.
لكن سرّها ظلّ: لا تخرج إلا بالليل، وكأن ظلال القمر وحدها تحميها من أن تكشف سرّها للعالم.
في الحديقة الخلفية للفندق، خرج الثلاثة—نور، ليو، وإيفلين.
وإيميلي واقفة قرب الباب، كظلٍّ صامت، كأن حضورها واجب لا خيار له.
قال نور وهو يرفع حاجبه بمزاح:
> "لنرَ ما مدى سرعة هذه الأميرة."
ابتسمت إيفلين خفية:
> "هل تستخفّ بي، أيها الفتى الشقي؟"
ركضت بخفةٍ لا تُسمع إلا كأن الريح نفسها تحمل خطواتها.
نور يلاحقها ضاحكًا، وليو يتبعه بخطواتٍ واسعة.
التفتت إليهما من على صخرة مرتفعة:
> "ألستم قادرين على اللحاق بي؟"
ضحكت ضحكة قصيرة، بشرية بديعة، جعلتهما يوقفان خطواتهما للحظة.
نور صاح مذهولًا:
> "كيف تركضين هكذا؟!"
قالت من فوق الصخرة:
> "ربما أنا أسرع مما تظن… يا نور."
وصل ليو وهو يلهث:
> "هذه ليست سرعة أميرة… هذه سرعة وحش جميل."
ضحكت ضحكةً أعمق، جعلتهما يشعران أنّها لحظةٌ خالية من الخوف.
أما والدهما، فمرّ من بعيد وهو يهزّ رأسه:
> "آه… أنتم الثلاثة كالأطفال!"
ضحك واختفى داخل الفندق.
وإيميلي… كانت تنظر إليهم بقلقٍ مكتوم، كأنها تعرف أنّ هذه الضحكات لا تدوم، وأن سيّدتها… مصاصة دماء لا يملأ قلبها شعورٌ بشري.
---
كانت هناك لحظات صغيرة لكنها عميقة:
جلس نور بجانبها في المطبخ، يسكب الشاي، وكانت عيناها تتلألأ كنجمةٍ صغيرة.
شعر بارتجاف قلبه حين التقت عيناه بعينيها، وكأن جزءًا منه ينهار صامتًا.
ليو حمل الكتب لها، وكانت تقترب حتى يشعر بحرارة وجودها.
جلسوا على الدرج الخلفي للحديقة، يتبادلون الكلام عن أمورٍ بسيطة، وضحكات خفية، وأسئلة عن العالم البعيد.
وفي ليلةٍ طلبت منهما أن يعرفاها على أشجار الغابة، فسروا معها كأنهما يحميان شيئًا أغلى من الحياة.
ذكرياتٌ صغيرة… لكنها زرعت في القلوب بذرةً لن تنمو إلا في ظلام الليل.
نور كان يرتجف كلما التقت عيناه بعينيها الرماديتين، يشعر أن قلبه يهوي في بحرٍ لا قاع له.
أما ليو، فكان سقوطه أسرع، يلاحق خطواتها بنظره، وكانت هي، بدهاءٍ ناعم، تبعث له ابتسامةً قصيرة ثم تختفي.
كل هذا… في الليل فقط، حين يختفي الضوء وتظهر هي.
لاحظت إيميلي ما يحدث، وقالت لها بينما تصفف شعرها:
> "آنستي… إنهما يقعان في حبك."
ردّت إيفلين بصوتٍ خافت:
> "الحب؟ لا… ليس هذا ما أريده منهما."
وانخفضت عيناها، تخشى ما لا تستطيع كبحه.
---
في ليلةٍ هبت فيها الرياح كأنها تعوي على أبواب الغابة، كان نور معها وحدهما في غرفتها.
ضوء شمعةٍ حمراء يرتجف، وظلال تمتد على الجدران كأجنحة الليل.
اقتربت منه ببطء، رائحتها باردة، ولمستها أخف من النسيم.
همست:
> "هل ما زلت تخاف مني؟"
قال بصوتٍ مبحوح:
> "لا… لست خائفًا."
رفعت يده بيديها، قربته منها… ثم قبلته.
قبلة هادئة، ثم عميقة، جعلته يهيم بين الغموض والشهوة، يهيم داخلها.
اقتربت من عنقه، لمست نبضه، وكأنها تشمّ الحياة فيه.
وفجأة، غاصت أنيابها في جلده.
شهقة. ارتجاف. دم دافئ يسيل.
كان يجب أن يبتعد… لكنه أحاطها بذراعيه، قرّبها أكثر، وشرب من دمها، معتقدًا أنّ هذا هو الحب العميق.
ضحكت:
> "كم أنت لذيذ… أيها الفتى الصغير."
ثم وضعت يدها على جبهته، نظرت في عينيه، وفي لحظة، اختفت ذاكرته.
استيقظ في اليوم التالي لا يعرف شيئًا سوى أنّه يحبها بجنون.
وإيميلي كانت خلف الباب، تسمع، وترتعش كأنها شاهدة على جريمةٍ لا يرحمها الزمن.
---
بعد أيام، فعلت الشيء نفسه مع ليو.
كانت قبلتها أطول، أعمق، كأنها تختبر قوته.
وعندما غاصت أنيابها في جلده، لم يقاوم.
جثا على ركبته، ثم جذبها إليه، كغريقٍ يبحث عن الهواء.
وجعلته يشرب من دمها أيضًا، ثم مسحت ذاكرته.
قالت لها إيميلي، بقلقٍ:
> "لماذا تفعلين هذا؟ إنه خطر عليك!"
ردّت إيفلين، بصوتٍ مكسور:
> "لا أستطيع… دمي يختار… واللعنة تختار أيضًا."
ظلّت إيفلين تتنقّل بين قلبيهما.
نور يحب وينسى… ليو يحب وينسى…
وكل مرة تشرب فيها من أحدهما، ترتعش يد إيميلي، كأنها الوحيدة التي تدرك الرعب.
وكل شيء يحدث ليلاً فقط، حين يختبئ الضوء ويُسمح لها بالظهور.
أما إيفلين، فكانت أحيانًا تبكي، وهي تهمس:
> "أنا لعنة… أزرع الحب في قلب، وأمزقه في آخر."
لكن الأنين لا يوقف الدم.
وفي ليلةٍ عاصفة، اختفت إيفلين.
تركت نور محطمًا…
وليـو يشكّ في شيء لا يستطيع تذكره…
وتركت إيميلي وحدها مع سرٍّ لا يحتمله الليل.
وكان هذا… فقط بداية الليل.
---