وقعت في حب مصاص دماء 6&7
الفصل السادس - ايفلين 🖤🧛🏻
حين فتحت نورا عينيها،
كان كلّ شيءٍ حولها يلمع.
ستائرُ ثقيلة من المخمل،
وجدرانٌ من الرخام،
وأثاثٌ يفيضُ فخامةً كأنّه ينتمي إلى الأحلام لا إلى الواقع.
حتى الهواء كان يحمل رائحةً غريبة...
خليطًا من الورد القديم والليل.
ارتجفت يداها، وسقطت خصلةٌ من شعرها على وجهها، فمسحتها ببطء.
حاولت أن تنهض، لكن رأسها دار قليلًا،
ثم سمعت صوتًا هادئًا خلفها:
> "تمهّلي... كنتِ فاقدة الوعي طويلًا."
التفتت ببطء، وعيناها تلمعان بقلقٍ واضح:
> "ماذا... ماذا حدث؟ أين أنا؟ والرجال الذين خطفوني... ماذا فعلتَ بهم؟"
كان نور يقف عند الباب، وجهه ساكن كليلٍ بعد العاصفة، وصوته يحمل دفئًا نادرًا:
> "اهدئي... أنتِ بخير الآن. لم يمسّكِ أحدٌ بأذى."
ترددت لحظة، ثم سألته بصوتٍ مرتجف:
> "لكن... كيف أنقذتني؟"
ابتسم نور ابتسامةً خفيفة، ناعمة كأنها تخفي شيئًا خلفها، وقال بنبرةٍ عادية تمامًا:
> "اتصلتُ بالشرطة، والبقية كانت مسألةَ تنسيقٍ بسيط. لا تقلقي... كل شيء تمّ كما ينبغي."
ثم أضاف بلمحةٍ من الدعابة:
> "رغم أنّهم لم يكونوا متعاونين جدًا في البداية... لكننا توصّلنا إلى تفاهمٍ سريع."
رفعت حاجبها بدهشة، وكأنها لم تستوعب ما يقصده، ثم قالت:
> "تفاهم؟"
فردّ بابتسامةٍ غامضة وهو يشيح بنظره:
"فلنقل إنني كنتُ مقنعًا... للغاية."
تنهّدت، ثم نظرت حولها بدهشةٍ أكبر:
> "هذا المكان... ملكك؟ القصر كله؟"
ضحك نور بخفّة، وكأن السؤال أحرجه قليلًا:
> "يمكن القول إنه منزل العائلة. ليو يهتم بالديكور أكثر منّي."
وفعلًا، دخل ليو في تلك اللحظة، أنيقًا كالعادة، يحمل كوبًا من القهوة يتصاعد منه بخارٌ خفيف.
وقف بجوار نور، ثم نظر إلى نورا بابتسامةٍ رصينة وقال:
> "يسرّنا أنك بخير، يا آنسة...؟"
قالت مترددة:
> "نورا."
ابتسم ليو بمكرٍ لطيف:
> "اسمٌ جميل... يشبه أوّل ضوءٍ للفجر قبل أن يدركه الخراب."
رمقه نور بنظرةٍ جانبيةٍ حذرة، وكأنّه يطلب منه أن يخفف من سخريته المعتادة،
لكن نورا لم تلاحظ شيئًا من ذلك، فقد كانت مأخوذةً بجمال القصر.
كان المكان أشبه بقصيدةٍ من زمنٍ آخر:
الشموع تضيء بدلًا من المصابيح،
السجادُ العميق يبتلع الخطوات،
واللوحاتُ على الجدران تتابعك بنظراتٍ غامضة أينما ذهبت.
اقتربت من أحد الجدران، تمرّر أصابعها على إطارٍ ذهبيّ قديم، وقالت بدهشة:
> "هل هذا حقيقي؟ أم مجرد تحف؟"
ضحك ليو بخفةٍ وهو يتكئ على الجدار:
> "كل شيءٍ هنا حقيقي... حتى القصص التي لا تُقال."
تدخّل نور ليكسر التوتر بابتسامةٍ لطيفة:
> "ليو يحب المبالغة. القصر قديم، نعم... لكننا مجرد بشر، مثلك تمامًا."
نظرت إليه مطولًا،
كانت نبرته صادقة إلى حدٍّ جعلها تصدّقه - تقريبًا.
لكن شيئًا في عينيه كان غريبًا...
عمقٌ بارد، حزنٌ عتيق لا يليق بوجهٍ شاب.
---
في المساء، تركها الاثنان لتستريح.
غير أنّ النوم لم يزر عينيها.
فبدأت تتجوّل في الممرّ الطويل،
والهدوءُ يملأ المكان،
وصوت الريح يتسلّل من الشرفات كأنّ القصر يتنفّس معها.
كان هناك دفءٌ غريب يحيط بها،
شعورٌ بأنّ هذا المكان، رغم ضخامته، لا يريد إخافتها.
وجود نور وليو جعلها تشعر بشيءٍ من الأمان،
بل وحتى الطمأنينة.
ضحكت على نكات ليو الغريبة،
وابتسمت لصوت نور الهادئ حين يعلّق بكلماتٍ قصيرةٍ لكنها كافية لتذيب الحذر.
وللحظةٍ، بدا لها أنّ هذا القصر لم يعُد غريبًا... بل مألوفًا بشكلٍ يربك القلب.
واصلت سيرها حتى وصلت إلى قاعةٍ واسعة تملؤها اللوحات القديمة.
كانت أكبرها لوحةٌ لامرأةٍ ذات شعرٍ أشقر طويل،
تبتسم بهدوء، وعيناها تشعّان بحنينٍ غامض، حنينٍ يشبه ما لمحته من قبل في نظرات نور.
اقتربت أكثر،
وسقط ضوء القمر على ملامح اللوحة،
فتجمّدت في مكانها.
كانت هي.
هي نفسها.
نورا - الوجه ذاته، الملامح، النظرة، حتى البقعة الصغيرة أسفل عينها.
لكن ما جعل الدم يتجمّد في عروقها كان السطر الصغير أسفل اللوحة:
> إيفلين غراي - 1864
الفصل السابع - شكوك وظلال🧛🏻🌒
ظلّت نورا واقفة أمام لوحة إيفلين، عيناها ممتلئتان بالدهشة والخوف، ويدها ترتجف وهي تلامس الإطار الذهبي القديم.
كان التاريخ أسفل اللوحة محفورًا بوضوح:
> إيفلين غراي - 1783
ارتجف قلبها، وكأن شيئًا في أعماقها يصرخ: كيف يمكن أن يكون لي صلة بهذه المرأة؟
أخذت نفسًا عميقًا، محاولة تهدئة نفسها، لكن شعور الغربة لم يغادرها، بل ازداد ثِقلاً مع كل خطوة تخطوها.
تجوّلت في أرجاء القصر؛ جدران من الرخام، ستائر ثقيلة من المخمل، وسجاد يخفي وقع الأقدام كما لو كان يخشى أن يوقظ شيئًا نائمًا.
وفي غرفة جانبية، لفت انتباهها باب معدني صغير. فتحته بدافع الفضول... فشهقت بصوت خافت.
كانت هناك أكياس دمٍ حقيقية، موضوعة بعناية في ثلاجة ضخمة، كُتب على كلٍ منها تاريخ واسم.
تجمّد جسدها.
شعرت برعبٍ يجمد الدم في عروقها، وكأن الهواء من حولها أصبح أثقل من أن يُستنشق.
أرادت أن تغادر فورًا، لكن شيئًا في داخلها أمرها بالتماسك - لا يجب أن تُظهر أي خوف أمام نور أو ليو.
---
اقترب منها نور بابتسامة هادئة، وكأنه قرأ اضطرابها:
> "أعلم أن كل شيء يبدو غريبًا... لذلك فكّرت أن تعيشي في البيت الجديد بجانب القصر، كهدية مني، لتشعري بالراحة."
رفعت حاجبها وقالت بحذر:
> "بيت فخم؟ لا أظن أنني أحتاج إلى شيء كهذا."
حينها، التقت عيناه بعينيها مباشرة.
كانت نظرته ثابتة، عميقة، لا تُقاوَم. قال بنبرةٍ منخفضة ولكن آمِرة:
> "ستعيشين هناك يا نورا... لأنه مكانك الحقيقي."
صمتت لثوانٍ، وكأنها فقدت السيطرة على نفسها، ثم أجابت بصوتٍ خافتٍ يكاد لا يُسمع:
> "حاضر..."
خرجت الكلمة رغماً عنها، كأن قوة غامضة سيطرت على إرادتها.
شعرت بالارتباك بعد لحظة، وحاولت إقناع نفسها أن ما حدث مجرد ضعف أمام هيبته وغموضه.
ورغم ذلك، ظلّ الشك يسكن قلبها، لكنها اختارت التجاهل... أو لعلّ الخوف كبّلها عن السؤال.
---
في الأيام التالية، أُقيم حفل كبير في الجامعة.
الأنوار ملأت القاعة، والموسيقى تتراقص بين الجدران، والضحكات ترتفع كأنها تغطي على كل شيء.
وحين دخل نور، تغيّر كل شيء.
كان يرتدي بدلة سوداء فاخرة تحتضن جسده بإتقان، تُبرز عرض كتفيه وتناسق عضلاته.
شَعره الأسود اللامع ينسدل بانسيابية، ونظرته الباردة تخترق الحشد بثقةٍ قاتلة.
توقفت همسات كثيرة، وكل العيون تعلّقت به، والفتيات تبادلن نظرات إعجاب مكتومة، أما هو فظلّ صامتًا، واثقًا، لا يبتسم إلا ابتسامة قصيرة غامضة تُخفي أكثر مما تُظهر.
وفجأة، اقتحم رجلٌ عجوز القاعة، صوته مرتجف بالغضب:
> "أنت! أنت قتلت زوجتي... امتصصت دمها!"
ساد الصمت كأن الزمن توقف.
اقترب نور بخطواتٍ بطيئة نحو الرجل محاولًا تهدئته، بينما هرعت حفيدته نحوه وهي تقول بخجلٍ وارتباك:
> "جدي مريض بالزهايمر، أحيانًا يخلط بين الواقع والخيال... أرجوكم تجاهلوه."
تبادل نور وليو نظرة سريعة صامتة، لم تستطع نورا تفسيرها، لكنها زرعت في قلبها شكًّا أعمق مما كان.
---
في تلك الليلة، عادت نورا إلى بيتها الجديد بجانب القصر.
جلست أمام الحاسوب، تبحث عن تفسير لكل ما يحدث حولها.
كتبت كلماتٍ متفرقة في محرك البحث:
دماء - لا يشيخون - لا ينامون - لا يمرضون...
فكانت النتيجة صادمة:
> مصاص دماء.
قرأت عنهم، عن عدائهم للشمس، وكيف أن نور الفجر قادر على إحراقهم.
لكن ما حيّرها أن نور وليو يسيران في وضح النهار كما لو أن الشمس لا تمسّهما.
اتكأت على شرفة بيتها، تنظر إلى القمر المعلّق في السماء، والريح تداعب شعرها برفق.
القصر بدا من بعيد ككتلةٍ من الظلال تتنفس في صمت، وكأنها تراقبها من بعيد.
همست لنفسها:
> "ما الذي يحدث هنا حقًا؟ ومن يكون نور في الحقيقة؟"
امتدت الظلال الطويلة على الأرض نحوها ببطء، كأنها تحاول الوصول إليها...
تقترب، تهمس، وتعدها بأن ما ينتظرها... لن يكون إلا بداية اللغز.
---
---