الفصل الأول:

في إحدى المدن المصرية، كانت أشرقت، بنت عندها حلم كبير بيكبر معاها من وهي صغيرة — كانت دايمًا بتحلم تبقى مهندسة.
تتخيل نفسها وهي لابسة الطاقية الصفراء، تمسك أدواتها وتبني حاجات حقيقية بإيديها.
كانت شايفة في الهندسة طريقها، ومستقبلها، وحلمها اللي بتجري وراه من سنين.
كان أذان المغرب بيعلو في البيت، وصوت المؤذن يمتزج برائحة الأكل الجاية من المطبخ.
لبست الإسدال، وجهزت نفسها علشان تصلي، لكن صوت إخوتها من الصالة شدّ انتباهها:
– النتيجة ظهرت! النتيجة على النت!
تجمدت لحظة. قلبها خفق بسرعة.
بسرعة وراحت على أوضتها، الموبايل كان في الشاحن جنب السرير.
جلست على الأرض، فتحت الموقع، وبدأت تكتب رقم الجلوس بإيدها اللي كانت بترتعش.
ثواني من الانتظار… وبعدين ظهرت الأرقام.
بصّت فيها كويس، مش مصدقة.
كتبت رقم الجلوس تاني، وتالت، لكن النتيجة نفسها.
الصدمة وقعت عليها فجأة.
حست إن نفسها اتقطع، وإن الدنيا سكتت.
وقعدت تعيط، الأول في صمت، وبعدها بدموع ما كانتش عارفة توقفها.
فضلت أشرقت قاعدة على الأرض، عينيها لسه مبلولة من الدموع، والموبايل في إيدها.
وبين تنهيدة وتانية، افتكرت البنات اللي كانوا معاها في لجنة الامتحان… واللي كانوا متوترين زيها يوم الامتحان.
بإيدها المرتعشة، بدأت تكتب أرقام جلوسهم واحد واحد.
كانت نفسها تعرف جابوا إيه.
كتبت الرقم الأول… النتيجة طلعت "دور تاني".
كتبت الرقم التاني… نفس الكلمة.
وبعدين التالت، والرابع… وكلهم تقريبًا شايلين مواد.
ساعتها وقفت لحظة، وبصّت في شاشة الموبايل، والدموع لسه في عينيها، وقالت بصوت واطي:
– الحمد لله يا رب… الحمد لله.
بس وهي بتقولها، كان قلبها مليان دموع أكتر من اللي في عينيها.
كانت حاسة إنها بين فرحتين متناقضتين — فرحة إنها عدّت وعدت من السقوط، وحزن تقيل جواها لأنها ما وصلتوش اللي كانت بتحلم بيه.
كانت حاسة إنها نجحت على الورق، لكن خِسرت جواها حاجة أهم… حلمها.
دخلت أمها الغرفة بسرعة، ووراها أبوها.
شافوها بالشكل ده، فقعدوا جنبها.
أبوها قال بهدوء:
– خلاص يا بنتي، ما تعيطيش… انتي عملت اللي عليكي.
وأمها قالت وهي تمسح دموعها:
– يمكن ربنا شايللك الخير في طريق تاني يا حبيبتي.
بس أشرقت ما كانتش سامعة.
جواها صوت واحد بيقول: “أنا كنت أقدر أجيب أكتر من كده… كنت أقدر!”
ده كان الإحساس اللي كانت طول عمرها خايفة تحسه — إحساس إنها خيّبت ظن نفسها.
عدّت الأيام، ودخلت كلية تربية.
مش لأنها بتحبها، لكن لأنها ما كانش عندها اختيار تاني.
كل مرة كانت تمشي فيها جنب كلية الهندسة، كانت بتحس إن الحلم واقف ورا السور بيناديها، ومش قادرة توصله.
وفي يوم التقديم في كلية التربية، كانت الشمس طالعة والجو حر، والزحمة في كل مكان.
مشيت جنب أبوها شايلة الملف، ولما قربت من كلية الهندسة، وقفت.
بصّت على اليفطة الكبيرة، وعلى الطلبة اللي داخلين بابتسامة، شايلين أدواتهم المعدنية.
اتوجعت.
اتفتحت الجراح اللي كانت لسه بتحاول تلمّها.
قرب منها رجل أمن بابتسامة طيبة وقال:
– اتفضلي يا بنتي، أول محاضرة ليكم النهارده جوه.
بصّت له، وبعدين قالت لأبوها بصوت مبحوح:
– بابا… يلا نروح.
مشيت جنبه، وكل خطوة كانت تقيلة كأنها ماشية على حلم مكسور.
لكنها ما كانتش تعرف إن ده مش نهاية الحكاية…
ده كان أول فصل منها.
#1 "ليس كل ما نتمناه خير لنا ، فربما في مالم نحصل عليه النجاة.”🤍