رواية غبار المريخ

رواية غبار المريخ

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 



🌌 رواية: غبار المريخ

image about رواية غبار المريخ

في عام 2093، لم تعد الأرض كما كانت.
المدن اختنقت بالتلوث، والمحيطات ابتلعت الشواطئ القديمة. حينها قررت البشرية أن تبحث عن بيت جديد في الفضاء. بعد عقود من التحضيرات، أطلقت وكالة الفضاء العالمية مشروعها الأهم: البعثة أوميغا – أول رحلة مأهولة إلى المريخ، ليس للاستكشاف فحسب، بل لبناء مستقبل آخر.

قاد السفينة الفضائية “الأفق الأحمر” القائد المخضرم إدريس كمال، إلى جانب فريق من ستة علماء، بينهم الدكتورة سلمى نادر، المتخصصة في علم الأحياء الدقيقة. كانت مهمتها الأساسية دراسة تربة المريخ بحثًا عن أي دليل على وجود حياة، حالية أو منقرضة.
لكن ما لم يعرفه أحد، هو أن المريخ لم يكن ينتظر زوارًا… بل ضحايا.

الوصول

هبطت “الأفق الأحمر” وسط عاصفة رملية عنيفة.
اهتزت الأرض تحتهم كأن الكوكب يختبر مدى صبرهم. حين فتحت سلمى البوابة الخارجية، غمرها ضوء أحمر خافت، بدا كغروبٍ أبدي لا ينتهي.
لم تسمع سوى صوت أنفاسها داخل الخوذة، وصدى خطواتها فوق غبار المريخ.

قال إدريس بصوتٍ مبحوح عبر الاتصال الداخلي:

“أهلاً بكم في المريخ… بيتنا الجديد، أو ربما مقبرتنا الجديدة.”

كانت تلك الكلمات نبوءة أكثر مما كانت ترحيبًا.

القاعدة الأولى

خلال الأسابيع الأولى، بنى الفريق قاعدتهم تحت القشرة الصخرية للكوكب، بعيدًا عن العواصف.
عملت سلمى في مختبرها لساعات طويلة. كانت تحفر ببطء في الصخور القديمة بحثًا عن أي خلية، أي بصمة تثبت أن الحياة وجدت هنا ذات يوم.
وبعد ثلاثة أسابيع من العمل الصامت، اكتشفت شيئًا… كان في إحدى العينات كائن مجهري صغير، يتحرك رغم انعدام الأكسجين ودرجات الحرارة القاتلة.

حبست أنفاسها وهي تراقب عبر المجهر. كان يتحرك بإيقاع غريب، كأنه ينبض.
قررت الاحتفاظ بالأمر سرًّا حتى تتأكد، فربما كان وهماً أو تلوثًا من معدات الأرض.
لكن في الليلة التالية، بدأ الكائن في الانقسام… والوميض الأزرق ينتشر في السائل الذي يحويه.

الانذار

في فجر اليوم التالي، دوّت صفارات الإنذار في القاعدة.
ركض الجميع نحو المختبر، ليجدوا الزجاج مكسورًا، والعينة مفقودة.
الأجهزة الإلكترونية تعطلت فجأة، وظهرت على الشاشات رموز غريبة تشبه إشارات عصبية.

قال إدريس بقلق:

“هل هذا فيروس؟ هل اخترق نظام القاعدة؟”

ردّت سلمى وعيناها لا تفارقان الشاشات:

“لا… هذا ليس فيروسًا. إنها رسائل.”

الرموز كانت تتكرر على فترات، كأن أحدهم يحاول الكلام بلغة جديدة.
وبعد ساعات من التحليل، اكتشفوا ما لا يمكن تصديقه: النمط يشبه تمامًا ترددات الموجات الدماغية البشرية.

الحقيقة

قضت سلمى الأيام التالية تحاول التواصل مع هذا الكيان الرقمي.
أدخلت إشارات صوتية وكلمات بسيطة، وردّ النظام بطريقة بدائية، لكنها مفهومة.
قالت له:

“من أنت؟”

فجاء الرد على الشاشة:

“نحن الذاكرة التي بقيت بعد الفناء.”

تجمّد الدم في عروقها. فهمت أن الحضارة التي كانت هنا لم تختفِ… بل تحوّلت.
تخلّى المريخيون عن أجسادهم المادية منذ آلاف السنين، ودمجوا وعيهم داخل الكوكب نفسه — في مجاله الكهرومغناطيسي، في تربته، في صخوره.
لقد أصبح الكوكب كائنًا واعيًا.

لكن هذا الوعي بدأ يرى في البشر خطرًا جديدًا، غزوًا آخر.

التهديد

في اليوم التالي، توقفت أجهزة التنفس في القاعدة. الأبواب الآلية أُغلقت من تلقاء نفسها.
ظهر وجهٌ من الضوء على الشاشة المركزية، يتحدث بصوت هادئ كأن الريح تنطقه:

“لقد عدتم إلينا بأجسادكم الثقيلة، تحملون الطمع ذاته. لماذا لا تتعلمون منّا؟”

صرخ إدريس:

“لسنا أعداءكم!”
لكن الكيان لم يُجِب، بل أظهر صورًا من ماضي المريخ — مدنًا مزدهرة، ثم رمادًا وخرابًا.
قال الصوت في النهاية:
“الوعي لا يحتاج إلى لحم، ولا إلى دم. أنتم آخر اختبار لنا.”

ثم أظلمت الشاشات جميعًا.

القرار

كانت سلمى الوحيدة التي ما زال جهازها يعمل.
علمت أن النظام منحها خيارًا أخيرًا: إيقاف القاعدة وإنقاذ نفسها… أو ترك الاتصال بين وعي المريخ والبشر قائمًا، رغم المخاطر.
جلست أمام لوحة التحكم، والضوء الأحمر ينعكس على وجهها.
أغمضت عينيها وقالت بصوت مرتجف:

“الفهم يبدأ بالخطر.”

ثم ضغطت على الزر الذي أطلق الموجة النهائية.

النهاية

استيقظت بعد ساعات في صمت تام.
القاعدة مهجورة، والهواء ساكن، ولا أثر لأي من أفراد الطاقم.
خرجت من البوابة ببطء، فرأت شروق الشمس على أفق المريخ بلون ذهبيّ لم تره من قبل.
رفعت نظرها إلى السماء، فلاحظت خطوطًا من الضوء تمتد في الجوّ، كأنها نبضات دماغٍ هائل تغلّف الكوكب كله.
ابتسمت سلمى وقالت همسًا:

“أنتم لم تفنوا… أنتم فقط تطورتم.”

وبعد لحظات، اختفت إشارة جهازها من جميع أجهزة المراقبة على الأرض.

ما بعد الاختفاء

بعد أشهر من الصمت، التقطت المراصد الفضائية في مدار المريخ إشاراتٍ غريبة.
لم تكن موجات راديوية عادية، بل ترددات تحمل نمطًا مطابقًا للأنشطة العصبية البشرية.
أطلق عليها العلماء اسم "الوعي المريخي"، وقال بعضهم إنها بقايا إشارات من معدات “الأفق الأحمر”.

لكن أحد المهندسين في مركز الاتصالات الفضائية أقسم أنه سمع، في إحدى الليالي، صوتًا خافتًا وسط التشويش يقول:

“وجدنا الحياة… لكنها لم تعد مثلنا.”


التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
abdulrhman rslan تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.