في ظلال الرماد حين تستيقظ الحقيقة بين أنقاض النسيان والبحث عن النور

في ظلال الرماد حين تستيقظ الحقيقة بين أنقاض النسيان والبحث عن النور

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

image about في ظلال الرماد حين تستيقظ الحقيقة بين أنقاض النسيان والبحث عن النور

      ذاكرة الرماد

                                  الجزء الأول : اليقظة

استيقظ سليم على صوت المطر... عينيه غائمتان، وملابسه ممزقة بعض الشيء، وذاكرته بيضاء تمامًا...  
"من أنا؟" تساءل، وهو يحدق في السقف المنهار.  
كان في مكان غريب، لا يحمل أي علامة حياة سوى سكون ثقيل يشبه الموت. في جيبه وجد مفتاحًا نحاسيًا صغيرًا وسلسلة تحمل حرف "L". ومن هنا بدأت رحلته...
                                            الجزء الثاني : الباب المغلق 

خرج سليم من المنزل المهجور، والضباب يلف الأزقة كوشاح رمادي يخفي ملامح المدينة. لم يكن يعرف إلى أين يتجه، لكن المفتاح في جيبه بدا وكأنه يقوده.

مرّ بجانب مقهى قديم، ألقى عليه صاحب المقهى نظرة متفحصة وقال:  
– "أنت عدت؟ لم أرك منذ سنوات..."  
تفاجأ سليم، فاقترب وسأله:  
– "تعرفني؟"  
رد الرجل بنبرة غامضة:  
– "لا أحد ينسى من ترك الرماد وراءه."

سليم شعر بارتباك، لكنه لم يتوقف. سأل عن مكان يُدعى "زنقة الحوت"، كان الاسم محفورًا على المفتاح. قادته خطواته إلى باب خشبي أسود عليه آثار حرق قديم. أدخل المفتاح، ففتح الباب بصرير ثقيل.

دخل غرفة مظلمة. على الحائط صورة باهتة لامرأة ترتدي وشاحًا أزرق، تشبه التي رآها في شظايا ذاكرته. وجد صندوقًا خشبيًا... فتحه، فوجد دفتر مذكرات صغيرًا مكتوبًا عليه: "ليلى - ذكرياتي قبل أن تختفي".

وقبل أن يفتح الصفحة الأولى، سمع وقع أقدام خلفه.

                            الجزء الثالث : دفتر ليلى

التفت سليم بسرعة. لم يكن هناك أحد. خطوات الأقدام توقفت، لكن قلبه ظل ينبض بعنف. أمسك دفتر "ليلى" بيد مرتجفة، فتح الصفحة الأولى، وقرأ:

"إلى من سيقرأني بعد أن أختفي… ربما أنت، يا من حملت المفتاح دون أن تعرف لماذا."

شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري. الدفتر يحكي قصة ليلى، فتاة عاشت في نفس الحي، وكانت شاهدة على شيء خطير وقع في المنزل المهجور منذ عشرين سنة. تحدثت عن رجل يُدعى “الضابط يوسف”، وعن صندوق أُخفي تحت الأرض، يحتوي على صور ووثائق سرية كان من الممكن أن تغير مصير حي بأكمله.

صفحة بعد صفحة، بدأ الماضي يتكشف. ليلى لم تختف، بل اختُطفت بعد أن هددت بكشف الحقيقة. والآن، سليم يملك ما كانت تحاول فضحه.

فجأة، انطفأ المصباح الصغير بالغرفة. وصوت الباب يُغلق بقوة. لم يكن سليم وحده

                              الجزء الرابع : صندوق الأسرار
في الظلام الدامس، سمع سليم صوت أنفاس قريبة منه. حاول تشغيل مصباح هاتفه، لكن البطارية نفدت. الدفتر كان لا يزال في يده، لكنه شعر بشيء يُسحب من سترته. التفت فجأة... لا أحد.

بخطوات بطيئة، زحف سليم نحو الباب، فوجده موصداً بإحكام من الخارج. تردد صدى همسات خافتة في أذنه، كأن شخصاً ما يقرأ صفحات من نفس الدفتر بصوت خافت، مؤلم.

وبينما يحاول تهدئة نفسه، سمع صوتاً مكتوماً يأتي من خلف الجدار. اقترب، وبدأ يتحسس بيده الطوب البارد حتى اكتشف حجراً يتحرك بسهولة. خلفه، وجد صندوقاً قديماً من الحديد.

فتح الصندوق ببطء، لتتناثر أوراق قديمة، صور، ورسائل مخطوطة بخط أنثوي. بينها رسالة مكتوب عليها:

"إلى من وجد هذا الصندوق… أنت الحلقة الأخيرة."

كان في الصندوق أيضاً مفتاح صغير، وورقة تحمل عنوان منزل في المدينة القديمة، وكلمات مشفرة باللغة الفرنسية:  
"La vérité brûle mais libère." (الحقيقة تحرق ولكنها تُحرر).

سليم قرر أنه سيذهب إلى ذلك العنوان، لكنه لم يعلم أن شخصاً آخر يتبعه... شخص لم ينس ما فعلته ليلى

                                        الجزء الخامس : البيت المنسي

تحت المطر الخفيف وفي ظل ضباب خريفي كثيف، وصل سليم إلى العنوان المكتوب في الورقة. منزل قديم، منسي، تغطيه النباتات اليابسة، والنوافذ مغلقة بألواح خشبية مهترئة. لكن الغريب… أن الباب كان موارباً.

بخطوات مترددة، دخل سليم وهو يحمل المفتاح والدفتر. في الداخل، رائحة الرطوبة والغبار تختنق بها الأنفاس. على الجدران، صور قديمة لوجوه لم يعرفها، لكن إحداها جذبته: صورة لامرأة تشبه ليلى كثيراً… لكنها كانت ترتدي لباساً قديماً، وكأن الصورة تعود لعقود مضت.

وجد سُلّمًا يؤدي إلى القبو. تردد لحظة، ثم نزل. في الأسفل، غرفة صغيرة، باردة، تحوي خزانة حديدية عليها نفس الشعار الذي وُجد على الدفتر. أدخل المفتاح... وفتحها.

داخل الخزانة، كانت المفاجأة:  
ملفات رسمية، أشرطة تسجيل، وصور توثق تجارب علمية غير قانونية أُجريت على أطفال قبل أكثر من 20 سنة… أحدهم كان اسمه "سليم ع.".

تجمدت الدماء في عروقه. لم يكن مجرد باحث عن الحقيقة... كان هو نفسه جزءاً من القصة.

ثم دوّى صوت خلفه:  
– "أخيرًا وصلت، يا سليم..."

كان الصوت مألوفًا، لكنه لم يره منذ كان في السابعة من عمره…

                                        الجزء السادس : انبعاث الذاكرة

وقف سليم مذهولًا، وكل خلية في جسده ترتجف. الصوت الذي سمعه من خلفه كان صوت والدته… أو من ظنّ أنها توفيت قبل 15 سنة.

استدار ببطء، والدهشة تُحاصر أنفاسه. ظهرت امرأة ترتدي معطفًا رماديًا، وجهها تغير مع السنين، لكنه لم يخطئ ملامحها.

– "أمي...؟"  
– "لا تنادني بذلك بعد الآن. لقد اخترنا لك مصيرًا آخر، أنت لا تعرف شيئًا عن حقيقتك."

كلماتها كانت كصفعة. اقترب منها بخوف وذهول:  
– "ما الذي تعنينه؟ لماذا أنا هنا؟ ما هذه الملفات؟"  
– "كنت أحد الأطفال الذين خضعوا لبرنامج الذاكرة التجريبية. لم تكن حياتك كما ظننت... كل شيء حولك كان مراقبًا، موجهًا، حتى اختياراتك."
سليم لم يصدق، أو ربما لم يُرد أن يُصدق.  
– "ووالدي؟ مات... أليس كذلك؟"  
– "لم يمت. هو من بدأ هذا البرنامج. لكن عندما قرر الانسحاب... تمت تصفيته."

في تلك اللحظة، لمعت في ذاكرته صور متناثرة: غارفة مظلمة، أطباء، تجارب، بكاء أطفال. لم تكن كوابيس… كانت ذكريات.

قالت المرأة بصوت منخفض:  
– "أمامك خياران يا سليم: إما أن تترك كل شيء وتعيش حياة عادية… أو تُكمل ما بدأه والدك وتكشف الحقيقة."

نظر سليم إلى الملفات من جديد. كانت الحقيقة مظلمة، لكن السكوت كان أخطر.

رفع عينيه بثبات:  
– “سأُكمل. سأُنهي ما بدأه.”

                                  الجزء السابع : المدينة تحت الأرض 

غادر سليم المكان الذي التقى فيه والدته، وهو يحمل حقيبة الملفات السرية. العتمة كانت تسود الشوارع، لكن داخله كان أكثر ظلمة. الحقيقة بدأت تتشظى في ذهنه، والآن بات يعرف أن حياته كانت جزءًا من تجربة أكبر مما تخيل.

قادته إحدى الوثائق إلى مكان يُدعى "القطاع X"، موقع مغلق جنوب المدينة، لا يظهر على الخرائط، ولا يُذكر في الوثائق الرسمية.

وصل عند مدخل حديدي ضخم تحت أحد المستودعات المهجورة. استخدم بطاقة مغناطيسية تركتها له والدته. الباب فتح ببطء، وظهر نفق طويل مضاء بأنوار خافتة حمراء.

كل خطوة داخله كانت كأنها نزول في عمق ذاكرته. عند نهاية النفق، ظهرت مدينة كاملة تحت الأرض: أبنية زجاجية، شاشات مراقبة، ومختبرات مليئة بأجهزة فائقة التطور. أناس يتحركون بصمت، يرتدون الأبيض، كأنهم أشباح.

تقدمت نحوه امرأة تُدعى ليلى، كانت تعمل سابقًا مع والده، وقالت:  
– "كنا ننتظرك يا سليم. والدك لم يمت عبثًا. دماؤه رسمت طريقك."

أرته شاشة تُظهر مئات الأطفال الذين كانوا يُراقبون.  
– "أنت لست الوحيد، هناك مثلُك كثيرون. نحن نحتاجك لكسر النظام من الداخل."

سليم سألها بصوت مبحوح:  
– "وإذا فشلت؟"  
– "فإننا جميعًا سنُمحى."

في لحظة صمت، أدرك سليم أنه لم يعد مجرد شاب باحث عن أجوبة. لقد أصبح الأمل الأخير في كشف شبكة سرية تتحكم في مصير البشر منذ عقود.
                                                 الجزء  الثامن : مواجهة الحقيقة 

في قلب المدينة تحت الأرض، جلس سليم مع ليلى في غرفة المراقبة. الشاشات تعرض معلومات وصورًا عن التجارب السرية التي أجريت على أطفال مثلهم.

قالت ليلى:  
– "هذه ليست مجرد تجربة عادية، إنها محاولة للتحكم بالعقول، لتشكيل جيل جديد قادر على التحكم في العالم من خلف الكواليس."

سليم شعر بغصة في حلقه، فكر في والدته التي ضحت بكل شيء لتحذيره.  
– "كيف يمكنني أن أوقف هذا؟" سألها مترددًا.

ابتسمت ليلى بمرارة:  
– "بأن تصبح من الداخل. تعرّف على النظام، افهم نقاط ضعفه، ثم استعد لتحطيمه."

فجأة، دخل رجل طويل القامة، يرتدي معطفًا أسود، وعيناه تضخان بالبرود.  
– "لقد حان وقت المواجهة، سليم."

كان ذلك والد سليم، أو ما تبقى منه.  
– "لقد ظننت أنني سأموت في سبيل الحقيقة، لكنك وصلت. الآن، عليك أن تأخذ مكانك."

بدأت المواجهة بين الأب والابن، كلمات مليئة بالغضب والأسئلة، لكنها كانت بداية لحلف غير متوقع ضد النظام القمعي.

سليم عرف أنه يجب أن يغامر بكل شيء، ليس فقط من أجل نفسه، بل من أجل كل أولئك الذين حُرموا من مستقبلهم.

في تلك اللحظة، أضاءت الأنوار في القاعة، وبدأت أجهزة الإنذار تصدر صفيرًا عاليًا. بدأت الخطة تنطلق.

                                             الجزء التاسع : الهروب الكبير

صفير الإنذار ملأ المكان، وتحرك الجميع بسرعة. سليم وليلى وابنه الأب، وقفوا في مواجهة الحراس الذين بدأوا يتجمعون عند أبواب المخابئ.

قالت ليلى وهي تمسك بذراع سليم:  
– "علينا أن نخرج من هنا قبل أن يغلقوا الأبواب كلها."

سليم نظر إلى الأب المكسور، ثم إلى ليلى:  
– "لكن الطريق للخروج محفوف بالمخاطر."

في اللحظة نفسها، فتح الأب حقيبة صغيرة من داخل معطفه وأخرج جهازاً إلكترونياً صغيراً.  
– "هذا هو المفتاح. جهاز تعطيل الأنظمة الأمنية. لكن استخدامه مرة واحدة فقط."

بدأوا يتحركون بحذر بين الممرات، يتجنبون كاميرات المراقبة، يتسللون من الظلال. كل خطوة قد تعني النهاية.

وصلوا إلى البوابة الحديدية، وضع الأب الجهاز على لوحة التحكم. بدأت الأضواء تتحول من الأحمر إلى الأخضر ببطء.

سمعوا صوت خطوات ثقيلة تقترب، الحراس لم يتوقفوا عن البحث. ليلى همست:  
– "اصمدوا قليلاً، سنخرج من هنا."

وبفعل الجهاز، انفتح الباب بهدوء، خرجوا إلى الهواء الطلق للمرة الأولى منذ شهور.

لكن الخارج لم يكن كما تذكره سليم. المدينة مليئة بالدمار والفوضى، الناس يعانون، والحرية تبدو بعيدة.
لأب قال بحزن:  
– "هذه الحقيقة التي كان يجب أن تعرفها، العالم تغير، ونحن يجب أن نكون جزءاً من التغيير."

سليم أخذ نفسًا عميقًا، وقال:  
– "لن أسمح لهم بأن يسرقوا مستقبلنا. لن أتراجع."

بدأوا السير نحو المدينة، ومع كل خطوة، كانت عيونهم تلمع بالأمل والعزم على بناء عالم جديد.

                                           الجزء الأخير : بزوغ فجر جديد

الفصل الأخير: بزوغ فجر جديد

بعد الليلة التي هربوا فيها من المخبأ، بدأت رحلة جديدة لأبطالنا، رحلة مليئة بالتحديات والأمل.

سليم وليلى والأب، مع مجموعة صغيرة من الناجين، اجتمعوا في مبنى مهجور ليخططوا لمستقبلهم.

قال الأب بصوت هادئ لكنه مليء بالعزم:  
– "لقد شهدنا الظلام، لكن لا يمكننا أن نتركه يبتلعنا. علينا أن نعيد بناء ما هدمته الحرب، وأن نزرع بذور الأمل."

ليلى نظرت إلى الجميع وقالت:  
– "لن تكون الطريق سهلة، ولكن بقوتنا ووحدتنا، نستطيع أن نعيد الحياة إلى هذه المدينة."

سليم رفع رأسه بثقة:  
– "سنبدأ من هنا، سنعيد تشغيل المحطات، نعيد فتح المدارس، ونعيد الأمان إلى شوارعنا."

ومع أول أشعة شمس، خرجوا جميعًا إلى الشوارع المدمرة، حامليًا معهم الأدوات والعزيمة.

بدأوا بتنظيف الركام، ساعدوا الجرحى، وأعادوا إشعال شعلة الحياة في المدينة.

في أثناء العمل، بدأ الناس ينضمون إليهم، رجال ونساء وشباب، كل منهم يحمل حلمه في قلبه.

تغيرت المدينة ببطء، من رماد إلى حياة، من صمت إلى ضحكات الأطفال، من خوف إلى أمان.
في نهاية اليوم، وقف سليم وليلى والأب على تلة تطل على المدينة، تنفسوا الهواء النقي، وشاهدوا أمل المستقبل يتلألأ أمامهم.

قال الأب مبتسمًا:  
– "هذا هو النور الذي كنا ننتظره."

ابتسم سليم ورد:  
– "بالفعل، بزوغ فجر جديد."

وهكذا، بعد كل العواصف، جاء الفجر ليعلن بداية جديدة، بداية تكتبها أيادٍ متحدّة وقلوب مفعمة بالإيمان . 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Fiodor Dostoievski تقييم 0 من 5.
المقالات

3

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.