"ابنة زوجي" قصة قصيرة اجتماعية بقلم أسماء صلاح أبو خلف
طلت بفستانها الأبيض الذي اخترته معها، تتمسك بزوجها وتدخل القاعة متوترة، لكنها تدور في الملأ بعينيها تبحث عني.
عندما رأتني زفرت بارتياح فابتسمتُ مشجعة لها أن تتقدم.
تلك الطفلة التي أتت لمنزلي كضيفة غير مرغوب فيها بعمر السنتين ونصف.
بعد موت أمها، زوجة زوجي الثانية.
أتذكر عندما أخبرني زوجي أنه يريد الزواج من أخرى.
رفضت، ثرتُ لكني لم أستطع منعه، ولم أستطع الانفصال عنه، لم يكن زوجي فقط بل كان رفيق عمري وحبي.
لم يرفض لي طلبًا قط، لم يجرحني أو يكسرني.
فلم أستطع كسره بالتخلي عنه.
يحبني، أحبه؟ نعم، لكن بعد تلك الليلة لم أعد معه كالسابق أبدا.
رغم أنه بذل كل شيء ليسعدني.
أطعت الله فيه، وأحببته دائما.
لكن ظل هناك حائط غير مرئي بيني وبينه.
زوجته الأخرى لم أرى منها شرًا، لم أحبها بالطبع.
لكني كنتُ أرى من مواقفها وهدوؤها أنها طيبة، وساذجة وراضية.
أعلم أن زوجي لن يأتي لي بزوجة خبيثة تضيق علي عيشي.
رفضتُ أي تعارف بيننا وأي ود من أي نوع، وحرمت عليه ذكر اسمها أمامي.
عندما ماتت، كنت أرى في نظراته التائهة خوفًا على صغيرته التي أنجبها منذ سنتين فقط.
أرى توسله الخفي لي، لكني تعمدت تجاهله، لم أكن لأستطيع رعاية طفلة وأنا في الثالثة والأربعين من عمري.
وليست أي طفلة بل هي نطفة زوجي من امرأة أخرى!
حين مرضت جدتها والتي كانت ترعاها وهي تحتاج لمن يرعاها.
أتى بها "نغم"
رحبت بهما في صمت وراقبتها من بعيد بعد أن وضعت أمامه بعض الحلويات لها.
رأيتها تتمسك به، تنظر بخوف لي ولأخوتها الكبار.
فأشرت بيدي ليذهبوا.
وبقيت معهما.
ما زالت نظرات زوجي تستعطفني دون سؤال.
ذهب ليبدل ملابسه، وتركني معها كانت خائفة فأشفقت عليها
فتحت لها الحلوى فلم تستجب لي.
فقلت لها أني سأكلها.
وبدأت أستمتع بتذوقها تحت مرآها، فحاولت فتح واحدة لها.
فابتسمتُ وفتحتها لها، فأخذتها من يدي تبتسم.
وكأني رأيت في عينيها الصغيرتين لؤلؤتين شفافتين.
وكأن زهور حمراء نبتت على وجنتيها الممتلئتين.
في ابتسامتها حياة تقول لك أنا هنا، فتمسك بي.
لكني لم أستطع.
أخبرت زوجي قبل رحيلهما
أن يحضرها مرة أخرى.
وفعل، أحضرها عدة مرات.
كنتُ أشتاق لها، أشتاق لأشتم رائحتها، لقبلتها علي وجنتي، وشقاوتها اللطيفة.
لكني كنت خائفة أن أتحمل مسوؤليتها
حتى هذا اليوم
الذي رفضتْ فيه الذهاب مع أبيها، واحتمت بي تحتضني خوفًا أن يأخذها.
وعندما حاول أخذها نظرت لي تملئ عينيها الدموع وبنبرة راجية بينما تشد ذراعيها حولي قالت: ماما.
قبلتها واحتضنتها وبكيت..
فدمعت عيني زوجي متأثرا.
حملت لي عينيه كل يوم تقديرًا وامتنانًا
كنت أقابلهما بابتسامة مطمئنةً له.
ولم أكن أعلم أنه يضعها أمانة ثقيلة بين يدي.
مات زوجي.
وتزوج أولادي.
وبقيت هي قربي.
هي لي، وأنا لها.
جمعتُ قرشًا فوق قرش.
لأعلمها، وأزوجها مع مساعدة من أخوتها.
عانيتُ الكثير لأرى هذا اليوم، صغيرتي الحبيبة
ترتدي الأبيض في يد رجل يقدرها ويحبها.
في زحم أفكاري
جاءت لحظة الفراق.
ستأخذها تلك السيارة لبيت زوجها.
سأبيت وحدي لأول مرة من دونها.
رغم الخوف والحزن كنت سعيدة لأجلها.
ابتسمت لها ولوحت بيدي، فرأيت الدمع يلتمع بعينيها فأشرت لها بألا تبكي.
كنتُ وعدتها أني لن أبكي، كي لا تفعل هي.
بينما تضع قدمها داخل السيارة.
التفت تنظر إلي، وجرت نحوي متلهفة تصل إلي من بين الجموع
احتضتني بقوة مرددة: ماما.. ماما..
كنت أدري مشاعرها التي ذرفتها عينيها، وما تريد التعبير عنه عبر تلك الكلمة.
وكأنها تخبرني أنها لن تتركني، تشكرني، ترجوني، تخبرني أني أعني لها الدنيا كلها.
وكنتُ أسمعها منها كل مرة، كأني لم أسمعها من قبل، كأني لم أكن أمًا قبلها!
انتهت قصتنا لليوم "ابنة زوحي" أرجو أن تكون نالت إعجابكم ولقراءة المزيد من القصص المؤثرة زوروا مـوقـعـنـا
أسماء صلاح أبو خلف