على صفحات الماضي ذكريات مها⁦(١)

على صفحات الماضي ذكريات مها⁦(١)

0 المراجعات

على صفحات الماضي

كانت تقف على باب منزلها الذي غادرته عقد من الزمن وكان يقف خلفها أخيها محمد الذي أوصلها من المطار كل شيء يبدو أنه قد تغير الشارع الذي لطالما لعبت وصالت وجالت فيه لم تعرف منه شيء غير منزلهم القديم الذي لم يتغير كثيراً حتى باب منزلهم لم يتغير صحيح أن الصدأ قد أكل الباب من الأسفل لكن الباب مازال يوحي بأنه هو نفسه واللون السماوي الذي يغطيه ، سألت أخيها ولكن أين بقالة العم علي لم أعرفها مع كل هذه البنايات التي غطت الشارع، رد أخيها لقد توفي العم علي بعد سفرك بعامين فقد نالت منه حمى شديدة أخذ يصارعها لأسابيع بعدها توفيَّ وتم نقله إلى القرية لتشييع جثمانه، حزنت مها كثيراً وتذكرت الأيام و المواقف الجميلة التي كانت مع العم علي وكيف وقف بجانبها أكثر من مرة عندما كانت تفقد النقود في الشارع وتبكي وهو يعطيها الأشياء مجاناً ويقول لها لا تقلقي يا ابنتي لن أخبر والدك بما حدث، يا لها من ذكريات جميلة و يا له من خبر محزن، لم يقطع حبل تفكيرها إلا صوت أخيها هل سنقف كثيراً يا عزيزتي أمام الباب؟ ألم تشتاقِ لأمي وأبي، هزت رأسها وفتح الباب ودخلت المنزل.

لم تعد مها لوحدها بل عادت برفقة ولديها وليد وجنى.

كانت مها في العقد الثالث من العمر، طويلة القامة، نحيفة الجسم، تتمتع بجمال رباني ، وبشرة صافية بيضاء وشعر أشقر طويل، فلكم حظيت بمدح الناس على جمالها وأخلاقها، وكانت دائماً ما تلقب بالجميلة، كانت أكثر فتاة جميلة بين قريناتها من الفتيات وبين قريباتها وبنات خالتها، ولطالما سمعت ذلك بنفسها، ونقلت لها أخواتها ووالدتها عن حديث الناس عن جمالها. لم تكن الأخت الوحيدة التي تحظى بهذا الجمال فقد كانت أخواتها أيضاً جميلات ولكنها كانت الأجمل.

على أعتاب المنزل كانت تستقبلهم زوجة أخيها التي تراها مها لأول مرة ، صحيح أنها تواصلت معها بالهاتف لكنها المرة الوحيدة التي تتعرف عليها في الواقع.

سلمت عليها ورحبت سامية زوجة أخيها وقادتها إلى غرفة والديها.

وهناك في الغرفة رأت مها مالم يخطر ببالها فوالديها كليهما طريحا الفراش، هرعت مها مهرولة إلى حضن والدتها وأخذت تبكي ما الذي جرى لكِ يا أمي، لماذا لم تخبرني يا محمد أن أمي مريضة.

في الركن الآخر من الغرفة كان يجلس والدها طريح الفراش هو الآخر الذي أخذ يبكي بمجرد أن رأى ابنته، أسرعت مها إلى والدها وأخذت تقبله في وجهه ورأسه ويديه، كان والدها قد أجهش بالبكاء وأخذ يردد سامحيني يا ابنتي، أنا السبب بكل ما وصلتِ إليه.

مرت اللحظات وبعد وقت لم يدم طويلاً هدأ الجميع وبدءوا يتبادلون أطراف الحديث كان وليد يجلس على سرير جده المريض ويقوم بمسك يديه، فيما كانت جنى تجلس على سرير جدتها المريضة وتمسك هي الأخرى بيد جدتها محاولة التخفيف عنها،

بينما كانت تجلس مها على أريكة بجانب أخيها وزوجة أخيها وأخذا يتبدلان الأحاديث.

في اللحظة نفسها وعلى منزل آخر يبعد بضع كيلو مترات كانت هناك سهى أخت مها تتحدث بالهاتف لقد اشتقت لكِ كثيراً يا أختي، سأكون عندك في المساء أنا وأبنائي فيما كان يقف أبناءها الخمسة بجانبها وهم سعداء بخبر وصول خالتهم مها فلطالما حلموا برؤيتها على الطبيعة، صحيح أنهم كانوا يتواصلون معها على الانترنت لكن هذا لا يكفي ولطالما وصلتهم العديد من الهدايا منها.

 

دخلت مها غرفة تم تجهيزها قبل وصولها لها ولولديها كانت جنى نائمة بجانب والدتها بينما كان وليد نائم على سرير آخر في أقصى الغرفة, لم تستطع مها أن تنام وتركت لذاكرتها بالرجوع للماضي البعيد فهنا وقبل خمسة عشرة عاماً كانت تنام في هذه الغرفة هي وأخواتها الأربع، تذكرت أختها الصغرى غلا وتذكرت وهي تسدل لها شعرها تارة وتارة أخرى تضفره، تذكرت حين لم يكن يعجب أختها تسريحة شعرها فتسرع باكية لأمها ، التي تقنع مها بإعادة تمشيط الشعر وعمل تسريحة جديدة ، لكم كانت أيام جميلة خالية من المشاكل المعقدة التي صادفتها بعد أن تزوجت، حينما أدركت أنها لن تستطيع أن تنام نهضت من على سريرها وأسرعت ناحية الدولاب وفتحته لترى دولابها هي وأخواتها، لكنها لم تجد شيئاً من ملابسهم القديمة كان الدولاب ممتلئ في الأعلى بملايات وأغطية أسرة وكان فارغاً من الأسفل.

لكن مها سبحت بذاكرتها إلى الدولاب القديم وكأنها ترى ملابسها هي وأخواتها، وكم تشاجروا بخصوص الملابس وأخذت تتذكر الفستان الأزرق الذي اشترته والدتها لها ولأختها سهى التي كانت تصغرها بعام وكانا يتشاجران من التي ستلبسه في زفاف ابنة خالتهم، تذكرت تفاصيل الفستان وكأنها تراه أمامها وخيل لها أنها تمسكه وتنظر أليه في المرآه فقد كان فستاناً طويلاً مرصع ببعض الكريستال في الأعلى وفي الأسفل ذيله قصيرة.

تذكرت شيئاً و أغلقت الدولاب وأسرعت إلى النافذة، فتحت النافذة التي كانت تطل على منزل الجيران، تذكرت جارهم رامي الذي كانت تربطه بها علاقة إعجاب، وكانا يتبادلان النظرات الرومانسية، نظرت إلى نافذة منزلهم وخيل لها أنها تراه وهو يبادلها النظرات الرومانسية القديمة ابتسمت وكأنها حقيقة، كان رامي شاب جميل يكبر مها بخمس سنوات ويسبقها في التعليم، كان هو في آخر سنة في الجامعة فيما كانت مها في الثانوية العامة عندما جاء لهم خبر خطبتها على رجل ثري يسكن في دولة أوروبية. تواصل مها تقليب صفحات ذكرياتها وهي مازالت تقف على النافذة وتتذكر كيف كانت في إحدى الأيام تنظر إلى جارها وهو يقوم بتدريباته الصباحية والنافذة مفتوحة وهي تنظر إليه وهو يؤدي التمارين الذي إعتاد أن يؤديها يومياً فيما كانت تناديها أمها من المطبخ وهي لا تسمع، وفجأة ابتسمت عندما تذكرت كيف فتحت والدتها الغرفة وهي تقول لماذا لا تردي عليا يا مها فأسرعت مها بإغلاق النافذة حتى لا تعلم والدتها بموضوع رامي، وفي اليوم التالي وهي خارجة من المنزل صادفت رامي أمام باب المنزل الذي رمى لها رسالة كتب فيها جملتين علمت من خلالها مها أن ابن الجيران يبادلها الشعور نفسه فلقد كتب لها في الرسالة (اليوم لم أستمتع بتأدية التمارين حيث لم يكن هناك شيء يشجعني عليها) ففهمت مها بأن ابن الجيران يخبرها بأنه يسعد عندما يتمرن وهي تراقبه من النافذة المقابلة، فأصبحت مها تشرب الشاي كل صباح على النافذة حتى ترى ابن الجيران وهو يؤدي تمارين الصباح، لم يكن أحد من أسرتها يعلم بخبر رامي إلا أختها التي تصغرها بعام التي لطالما راقبتهم خفية ، وصارحت أختها مرة أنها تعلم بإعجابها بابن الجيران رامي ونصحتها أن تقطع علاقتها معه فلو علم والديها بما يحدث لمنعاها من الذهاب للمدرسة وسدوا عليهم النافذة نهائياً، لكن مها طمئنت أختها أن علاقتها برامي لن تتعدى تبادلهم النظرات من النافدة وأن هذه العلاقة لن تتطور أكثر من ذلك إلا عندما يتقدم لها رسمياً، وكان رامي يكثر من جلوسه على النافذة للمذاكرة، ولشرب الشاي ولكنه كان حريص أيضاً على أن لا ينتبه له أحد الجيران حرصاً على مها من أن تحدث لها مشاكل.

تذكرت مها كيف أسرعت إلى منزل جيرانهم ودقت الباب بطرقات قوية حين فتحت لها أم رامي الباب وأسرعت مها  لحضنها وهي تبكي وأخبرتها بأن والدها ينوي تزويجها إلى رجل ثري يعيش في الخارج.

وتذكرت كيف أخذت أم رامي تهدئتها ومحاولة معرفة التفاصيل، تذكرت كيف نزل خبر خطبتها على رامي كالصاعقة عندما عاد من الجامعة في آخر يومٍ له في الاختبار وسمع والدته وهي تحدث مها، لا تقلقي يا ابنتي فليس من المعقول أن يتم زفافك بهذه السرعة.

في ذلك اليوم أغلق رامي الباب وخرج مهرولاً لم تنتبه والدته إلى مجيئه فقد كانت مشغولة بالتخفيف عن مها، ولكن مها هي من شاهدت منظره وكيف كان الخبر كالصاعقة على مسمعه.

لم تمضِ أيام كثيرة حتى تم زفاف مها على هذا الرجل الذي لم تراه ولم يحضر حفلتها ولكن تم عقد قرانها بالوكالة وتم تجهيز سفرها للخارج.

لم يقطع حبل أفكارها  إلا صوت ابنتها جنى لماذا لم تنامي يا أمي فلقد كانت رحلة متعبة.

للقصة بقية

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

18

متابعين

30

متابعهم

34

مقالات مشابة