تكملة مظلم القرن الجزء الثاني
_ولكن ألا ترى السكون واهدوء الذين يسودان الدير؟ لا شك في أن عملاءك قد خدعوك.
_كان هنا البارحة يا مولاي، في المكان الذي تقف فيه فرقة أوركسترا تتألف من خمسين موسيقياً، وقد أقيم في المكان الذي تركع فيه تلك الراهبة، مائدة لن أذكر لك ما صف عليها، وفي ذلك الرواق الواقع إلى يسارك، حيث يعد طعام غداء بسيط من العدس، والجبن للراهبات، كان الرقص والشرب وال.. قد حمي وطيسها.
- حسناً، ماذا كن يفعلن؟
_كان مائنا رجل وامرأة يتمتعون بمتعة الحب.
- يا للشيطان وهل أنت واثق مما تقول؟ - واثق كل الوثوق كما لو أنني شاهدت ذلك بأم عيني.. لذلك أحسنت بالمجيء اليوم ولو جئت البارحة لكان ذلك أفضل. إن هذا التصرف ليس مما يليق بالراهبات ورئيسات الأديرة يا مولاي..
- كلا كلا بل هو لائق بالرهبان، أليس كذلك؟
- إنني رجل سياسة يا مولاي.
_وابنتي رئيسة دير سياسية، هذا كل ما في الأمر.
_إذا كان الأمر يروق لك، فلست بالرجل الذي يضيره التجاوز على قواعد الأخلاق. ولكن غداً سنسمع الناس ينشدون أغنية جديدة مطلعها: "مــــن أين تأتين أيتها الرئيسة الحسناء" كردة للأغنية التي طالما أنشدوها: "إلى أين أنت ذاهب يا رئيس الدير "
- حسناً، حسنا، انتظرني ريثما أقوم بتوبيخها.
- إذا كنت تريد أن يكون عملك ناجعاً، فويخها بحضوري، لأكون أشد وثوقاً. وإذا ما أعيتك الحجة، فاستدعيني.
فأجاب الرجل الذي نصب من نفسه مقوماً للاعوجاج، والذي يدعى؛الدوق فيليب دي أورليان :
- إنك مصيب، إنك مصيب أجل يجب القضاء على الفصيحة ولو مؤقتاً. على رئيسة دير "شيل" ألا تستقبل الزائرين من الآن فصاعداً، سوى مرتين في الأسبوع، وألا يدخل الدير أية جماهير، ولا تقام أية حفلات للرقص، وأن تعاد إقامة الحواجز لتحول دون اقتحام الزائرين حرم الدير. لقد انتقلت ابنتي الآنسة دي أورليان من الطيش إلى الترهب، وغادرت القصر الملكي لتعتصم بالدير، رغماً عن إرادتي. وليس بالكثير عليها أن هي تصرفت خلال خمسة أيام من الأسبوع تصرف رئيسة دير، وخلال يومين تصرف سيدة من سيدات المجتمع.
_حسناً يا مولاي لقد أخذت تنظر إلى الأمور نظرة واقعية.
_أليس هذا ما تريد ؟
- أجل يا مولاي فرئيسة الدير التي تصم حاشيتها ثلاثين غلاماً، وخمسة عشر حوذياً، وطاهيين، وثمانية من رماة الرمح، والتي تمارس استعمال السلاح، وتعزف على آلات موسيقية، وتضع الشعر المستعار، وتتقن الرماية بالغدارة، رئيسة دير مثلها، يجب ألا تشعر بالملل من كونها راهبة.
وخاطب الدوق راهبة عجوز، مرت وهي تحمل رزمة من المفاتيح قائلاً:
_الم تحط ابنتي علماً بقدومي ؟ أريد أن أعرف ما إذا كان علي الذهاب إلى غرفتها أو انتظارها هنا…
فأجابت الراهبة بكل احترام إن السيدة الرئيسة آتية دون إبطاء.
فتمتم الوصي الذي كان قد أخذ الشك يخامره في أن ابنته تستخف به:
_لحسن الحظ!
فقال الأب المرافق له :
_هيا يا مولاي! تذكر كيف أن السيد المسيح طرد تجار الهيكل. إنك تعرف ذلك أو عرفته، أو كان عليك أن تعرفه، لأنني علمتك ذلك في جملة ما علمتك إياه يوم كنت أقوم بتدريسك. اطرد هؤلاء الموسيقيين هؤلاء الفريسيين، وهؤلاء المهرجين .نسق ثلاث فقط من أفراد كل مهنة فيشكلون حاشية رائعة ترافقنا في طريق العودة.
- لا تخف ! إنني شديد الحماس لإلقاء المواعظ.
فقال دوبوا "ما أحسن أن يكون لديكم هذا الاستعداد" ونهض لأنه رأىالرئيسة قادمة.
في تلك اللحظة. بالفعل، فتح باب دخلت منه الرئيسة التي طال انتظارهما لها. - ولنذكر باختصار من هي هذه المخلوقة التي توصلت بما ارتكبته من أعمال جنونية إلى إثارة غيظ فيليب دي أورليان، الرجل الذي عرف بسلامة القلب إلى درجة التطرف، والأب الأكثر تساهلاً في بلاد فرنسا والنافار.
كانت الآنسة دي شارتر، لويز أولاييد دي أورليان ،بنت فيليب دي أورليان الثانية، الأجمل بين بناته الثلاث ذات إهاب فتان، وعينين ساحرتين، وقد أهيف، ويدين شديدتي النعومة، وأسنان كأنها اللؤلؤ المنضود، تجيد الرقص والغناء وعزف الموسيقى التي علمها إياها الأستاذ كوشرو الشهير بين أساتذة الأوبرا، وتقدمت على يديه تقدماً عظيماً، لا يقارن به تقدم غيرها من الأميرات. صحيح أن الآنسة دي أورليان كانت قد أظهرت مواظبة غريبةعلى تعلم الموسيقى، وقد تكشف للقارئ، في مكان آخر عن سر هذه المواظبة كما كشف عنها للسيدة والدتها.