الكيميائي باولو كويلو الأهرامات

الكيميائي باولو كويلو الأهرامات

0 المراجعات

 الكيميائي والأهرامات

في ليلة مضيئة بنور القمر، جلس الكيميائي العجوز في صحراء الأندلس يتأمل النجوم. كانت عيناه تحملان بريق الحكمة، وقلبه ما زال يشتعل بشغف الاكتشاف. لم تكن رحلاته الطويلة بين الصحراء والجبال إلا بحثًا عن معنى أعمق للحياة، لكن هذه الليلة جاءه نداء مختلف؛ نداء حمله من أعماق الزمن، نحو الشرق، نحو مصر، حيث الأهرامات الشامخة تقف كأسرار من حجر، تتحدى الزمن وتحتضن أسرار الوجود.

شعر الكيميائي أن رحلته هذه المرة لن تكون بحثًا عن الذهب أو تحويل المعادن، بل عن سرّ كوني محفوظ في قلب تلك البنايات التي تشبه الجبال، لكنها مشيدة بيد الإنسان. جمع أدواته القديمة، حمل كتبه وملاحظاته، ثم أطلق العنان لروحه في رحلة لا تشبه أي رحلة سابقة.

عبر البحر الأبيض المتوسط، والريح تدفع سفينته كأنها تعرف قدره. وحين وصل إلى شواطئ مصر، رأى الأفق يتزين بسحر خاص، وكأن الشمس هناك تولد من جديد كل صباح لتبارك الأرض. سار نحو النيل، واستقبله الموج الهادئ وكأنه يعرف القادم من بعيد. نظر الكيميائي إلى مياهه الزرقاء المتلألئة وقال:
هنا، حيث يجري التاريخ كما تجري هذه المياه، سأجد الإجابة التي أبحث عنها.

كان الطريق إلى الجيزة مليئًا بالمفاجآت. التقى بشيوخ يجلسون عند أبواب المساجد، يحدّثونه عن حكمة الفراعنة التي خالطت روح الأرض، وعن الأسرار التي دفنت في أعماق الرمال. جلس مع رعاة صحراء، سمع منهم أساطير عن أرواح حارسة للأهرامات، تضيء في الليل مثل شعلة لا تنطفئ. وكل كلمة سمعها كانت تقترب به من الحقيقة، وكل حكاية كانت تزيد عطشه للمعرفة.

وأخيرًا، حين وقف أمام الهرم الأكبر، غمرته رهبة لم يعرفها من قبل. بدا الهرم وكأنه جبل صنعته يد الخلود، حجارة مصطفة بدقة لا يقدر عليها إلا من فهم سرّ السماء. شعر أن الصخور الضخمة ليست مجرد حجارة، بل صفحات مكتوبة بلغة لا تُقرأ إلا بالقلب. جلس في ظلاله ساعات طويلة، يستمع إلى صمت الصحراء وكأنه موسيقى خفية لا يسمعها إلا هو.

وفي الليلة الثانية، حلم الكيميائي بحكيم فرعوني يلبس تاجًا ذهبيًا وعيناه تلمعان ببريق الأبدية، يقول له:
أيها الباحث عن السر، إن الذهب الحقيقي ليس في باطن الأرض، بل في باطن الروح. من يفهم نفسه يفهم الكون، ومن يضيء قلبه يضيء العالم من حوله.

استيقظ الكيميائي وقلبه يخفق بشدة، وكأنه وجد المفتاح الأول للغز حياته. بدأ يسير حول الأهرامات، يراقب زواياها واتجاهاتها. دوّن في أوراقه كيف تتلاقى مع مسار النجوم، وكيف يشير كل حجر إلى قصة أكبر من حجمه. أدرك أن الأهرامات لم تُشيّد لتكون مقابر فقط، بل رسائل حجرية خالدة تربط الأرض بالسماء، والإنسان بالكون.

في اليوم الثالث، صعد إلى قرب قمة الهرم، والرياح تداعب عباءته البيضاء. من هناك، نظر إلى الأفق البعيد حيث يلتقي النيل بالصحراء، وقال بصوت خافت:
الكون كتاب مفتوح، والأهرامات إحدى صفحاته المضيئة. من يقرأها بعين القلب، يدرك أن الخلود ليس في الحجر، بل في الروح.

شعر أن رحلته وصلت إلى غايتها، ليس لأنه وجد كنزًا ماديًا، بل لأنه وجد نفسه من جديد. أدرك أن الكيمياء الحقيقية ليست مجرد تحويل المعادن إلى ذهب، بل تحويل الإنسان من جهل إلى معرفة، من خوف إلى إيمان، ومن محدودية إلى خلود.

غادر الكيميائي الأهرامات وهو يحمل ابتسامة مطمئنة. لم يكن بحاجة إلى حمل الحجارة أو الذهب، فقد حمل السر الأسمى: أن كل إنسان يحمل في داخله هرمًا خفيًا، وكل قلب هو كنز إذا عرف صاحبه كيف يفتحه.

وعندما عاد إلى صحراء الأندلس، لم يعد الرجل نفسه. صار حكيمًا يرى في كل زهرة سرّ الحياة، وفي كل نجمة طريقًا إلى الحقيقة. أما الأهرامات، فقد بقيت هناك شامخة، تروي بصمتها لكل عابر سبيل أن أسرار الكون لا تُكتشف إلا بعيون مؤمنة وقلب طاهر.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

2

متابعهم

1

مقالات مشابة