منزل الأشباح في قرية الظلال الجزء السادس - الطبول في القبو

منزل الأشباح في قرية الظلال الجزء السادس - الطبول في القبو

0 المراجعات

                                                                                                                                                                             الطبول في القبو
في تلك الليلة المظلمة التي أحاط بها صمت ثقيل كأنما القرية بأكملها قد غرقت في سبات أبدي، كان منزل الأشباح في قرية الظلال يقف شامخًا كالحارس العجوز، يراقب كل ما حوله بعينين خفيتين. كانت الرياح تدور حول جدرانه المتشققة، تصدر صفيرًا مخيفًا، وكأنها أصوات أرواح محتجزة بين جدرانه تنتحب في عذاب لا ينتهي.

اقترب “سامي” بخطوات مترددة من الباب الخشبي العتيق الذي كان يتأرجح قليلًا مع كل هبة ريح، محدثًا صريرًا يقطّع أوصال السكون. قلبه يخفق بشدة، وجبهته تتصبب عرقًا باردًا، لكنه كان يعلم أن التراجع لم يعد خيارًا. في عينيه انعكست صورة الباب وكأنها بوابة تفصل بين عالمين؛ عالم الأحياء، وعالم الظلال الذي لطالما سمع عنه الحكايات المرعبة.

رفع يده المرتجفة ودفع الباب ببطء، فانفتح بصوت أشبه بالأنين، وكأن المنزل نفسه يرفض دخول الغرباء. بمجرد أن وطأت قدماه أرضية القاعة الكبرى، انبعثت رائحة عفن ممزوجة بالدخان القديم، جعلته يسعل. كانت الجدران مغطاة بطبقة من الغبار والعناكب، واللوحات المعلقة بالكاد تظهر ملامحها الباهتة، إلا أن أعين الأشخاص المرسومة فيها بدت وكأنها تتحرك ببطء لتتبعه أينما ذهب.

في الزاوية البعيدة، كان هناك مرآة ضخمة مكسورة، انعكس فيها ظله مشوّهًا كأنها تكشف صورته الحقيقية لا ما يراه الناس. حين اقترب أكثر، رأى خلفه في المرآة شيئًا لم يكن موجودًا في الغرفة: امرأة ترتدي ثوبًا أبيض قديمًا، شعرها يغطي نصف وجهها، وابتسامة ملتوية ترتسم على شفتيها. التفت بسرعة لكنه لم يجد أحدًا، وحين عاد ببصره إلى المرآة اختفت هي الأخرى.

ارتجف جسده لكنه تابع السير. صعد الدرج الخشبي المتآكل الذي يئن تحت قدميه، متذكرًا ما قيل له: "في الطابق العلوي تكمن الحقيقة." كل خطوة كانت أشبه بجرس إنذار، وكأن المنزل يرفض إفشاء أسراره. وعندما وصل إلى آخر الدرج، سمع همسات خافتة تأتي من الغرف المغلقة. كلمات غير مفهومة، لكنها محملة بالغضب والحزن في آنٍ واحد.

فتح أول باب فوجده يقود إلى غرفة نوم قديمة، السرير مغطى بملاءة رمادية مهترئة، وعلى الوسادة آثار بقع حمراء باهتة تشبه الدم. شعر وكأن شيئًا ثقيلًا يجثم على صدره، وصوت أنثوي هامس يقترب من أذنه: "لماذا جئت إلى هنا؟" قفز للخلف مذهولًا، لكن الغرفة عادت إلى سكونها.

في الغرفة الثانية، وجد صندوقًا خشبيًا قديمًا، مزخرفًا بنقوش غريبة. فتحه بصعوبة ليجد بداخله مذكرات مهترئة. قلب الصفحات بسرعة، فوجد كتابات تتحدث عن طقوس غامضة لاستدعاء الأرواح، وعن عائلة كانت تعيش في هذا المنزل قبل قرن من الزمان. آخر سطر كان مكتوبًا بخط مرتجف: "لقد فتحنا البوابة… ولم يعد بإمكاننا إغلاقها."

حينها شعر سامي بأن الهواء في الغرفة صار أثقل، والجدران تقترب منه شيئًا فشيئًا. بدأ يسمع صرخات قادمة من كل اتجاه، صرخات أطفال ونساء ورجال، تختلط مع طرقات عنيفة على الأبواب المغلقة. نظر إلى النافذة محاولًا الهروب، لكنه رآها محاطة بأيدٍ سوداء تمتد من الظلام، تمنعه من الخروج.

وفي لحظة جنونية، سمع ضحكة عالية تتردد في كل أرجاء المنزل، ضحكة لم تشبه أي صوت بشري. كان المنزل قد استيقظ، وأصبح هو فريسته الجديدة. حاول الركض نحو الدرج، لكن كل خطوة كان يشعر وكأن الأرض تمسك بقدميه، تثقله أكثر فأكثر.

وعند منتصف القاعة، ظهر أمامه طيف المرأة مرة أخرى، هذه المرة أوضح من قبل. تقدمت نحوه بخطوات بطيئة، وعيناها المتوهجتان تشعان كجمر مشتعل. رفعت يدها نحوه وقالت بصوت أجوف: "أنت الآن واحدٌ منا."

شعر سامي بأن جسده يفقد قوته، وبأن الظلام يبتلعه تدريجيًا. كان آخر ما رآه قبل أن يسقط مغشيًا عليه هو المنزل نفسه، جدرانه تنبض كقلب حي، وأصوات الأرواح تعلو في انسجام كأنها ترحب بعضو جديد في عالمها الملعون.     يتبع ……

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

6

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة