رواية حكايتنا و تأثير العقل البشري على تغيير الذكريات
رواية حكايتنا .. 1) الفصل الاول: اللون الاخضر ..
||| مقدمة: |||
سيفقد التقويم السنوي عنصرا مهما...
وستجتمع باقي الاشهر لترثي هذه الخسارة ...
وستعزف فرقة كاملة لحن الرثاء...
بينما يرتقي القمر الحادي عشر في السماء بصمت
وسترقد الارض بعيون قرمزية
ولكنها ستظل صامدة لا تتزعزع.....لوسيفر
|| الفصل الاول بعنوان: اللون الاخضر ||
لدي صديقة طفولة لم أقابلها من قبل. لم أر وجهها قط. لم اسمعها تتكلم ابدا ، على الرغم من ذلك ، فأنا أعرف ملامح وجهها الجميلة. أعرف نعومة صوتها. أعرف الدفء في كفيها.
لنكون اكثر دقة ، هي ليست موجودة فعلا ، إنها موجودة فقط في ذاكرتي. قد يبدو أنني أتحدث عن شخص ميت ، لكن هذا ليس كل شيئ ، هي لم تكن موجودة منذ البداية.
كانت فتاة خلقت من أجلي فقط ، واسمها كان ايميلي ، قد ابدو مجنونا بكلامي هذا ولكن هذا ماكان عليه الامر حقا ، لقد تم انشاءها عن طريق تكنولوجيا الميمو الجديدة التي تغرس ما يسمى "بذكريات مزيفة" في عقل المشتري بناءا على طلبه
أحب والداي هذا الزيف و الخيال أكثر من أي شيء آخر. أو ربما كرهوا الواقع أكثر من أي شيء آخر. بدلاً من أخذ إجازة ، كانوا يشترون" الذكريات" بواسطة المال المدخر .وبدلاً من إقامة حفلة ، سيشترون ذكريات عن حفلات سابقة اقاموها . لن يخططوا لحفل زفاف ، لكنهم سيشترون ذكريات عن حفل زفاف. هؤلاء هم من قاموا بتربيتي.
كانت عائلتنا حقًا عائلة غير نظامية.
غالبًا ما كان والدي ينادي أمي بالاسم الخطأ. مما سمعته شخصيًا ، كان لديه على الأقل خمس طرق مختلفة لمناداتها . على الرغم من كونه رجل متزوج ، فقد اشترى عدة أشهر عسل بالفعل ، مما يعني كان لديه على الاقل خمسة زوجات سابقات
لم تطلق أمي على والدي الاسم الخطأ. بدلا من ذلك ، دائما ما كانت تخطئ في اسمي . على الرغم من أنني كنت طفلها الوحيد ، كان لديها أربعة أطفال. أنا وثلاثة أطفال آخرين ليسو من والدي
للأسف ، لم أحصل على أي ذكريات عندما كنت صغيرًا. لم يضع والداي أي اضافات على ذاكرتي. ليس الأمر وكأنهم يفتقرون إلى المال لشراء ذكريات لطفلهم بما اننا كنا اسرة من الطبقة المتوسطة ، كانت فقط الطريقة التي اختاروا بها تربيتي...
كان من المعروف على نطاق واسع أن زرع الأطفال بذكريات عن الحب غير المشروط والنجاح في طفولتهم كان له آثار إيجابية على النمو العاطفي. في بعض الحالات ، قد يكون هذا أكثر فاعلية من الحب الحقيقي بذاته . لأن الذكريات الكاذبة المصممة لتناسب الفرد عملت بشكل مباشر أكثر بكثير من التجارب الحقيقية المليئة بالشواءب والاخفاقات
أشك في أن والداي لم يكونا على علم بهذه النتائج. ومع ذلك ، اختاروا عدم شراء أي ذكريات لي.
كثيرًا ما قال لي والدي: "تشبه الذكريات طرفًا اصطناعيًا أو عينًا صناعية - فهي تهدف فقط لملء ما هو غير موجود". "بمجرد أن تكبر وتعرف ما الذي تفتقده ، يمكنك شراء جميع الذكريات التي تعجبك."
كان والداي مقتنعين تماما بالأفكار الغبية التي يقدمها المصنعون في المستشفيات حول تغيير الذاكرة - أعذار مطمئنة قيلت لتخفيف شعور الذنب عند المشتري تجاه تزييف ماضيه . كنت أجد صعوبة كبيرة في تخيل نوع "الشيء المفقود" الذي يستلزم وجود خمس زوجات سابقات.
هذان الشخصان اللذان عاشا في ماض خيالي تجنبا الاتصال الحقيقي مع عائلتهم . حافظوا على التواصل إلى الحد الأدنى بين بعضهما ، وتناولا طعامهما بشكل منفصل ، غادروا المنزل في وقت مبكر كل صباح ، وعادا متأخرين ، وخرجا في أيام عطلة دون إخبار الآخر إلى أين يذهبان . وغني عن القول ، أثناء قيامهم بذلك ، كانا يهملانني تمامًا. إذا لم يكونا أبوين مجتهدين ، كان عليهم فقط السماح لطفلهم بالانغماس في الذكريات المزيفة كما فعللا. كان هذا ما كنت أفكر فيه دائمًا عندما كنت صغيرًا.
نشأت دون معرفة الحب الحقيقي أو الحب الخيالي ، لقد كبرت الى شخص ليس لديه أدنى فكرة عن كيفية حب الناس أو تلقي الحب. غير قادر على تخيل أن يتم قبولك من قبل شخص آخر ، تخليت عن التواصل مع اقراني في المقام الأول. حتى لو كنت محظوظًا بما يكفي لأن يهتم بي شخص ما ، كان لي شعور
عندما بلغت الخامسة عشرة ، انفصل والداي عن بعضهما و بعد العديد من اجراءات الطلاق انتهى الأمر بي اعيش عند والدي ، ثم بعد عدة اشهر صادف أنني قابلت والدتي اثناء رحلة ، لكنها مرت بي دون لمحة واحدة ، كما لو أنني لم أدخل مجال رؤيتها مطلقا . على حد علمي ، أمي ليست ممثلة جيدة بما يكفي لإدعاء ذلك. ولذالك استنتجت انها استخدمت الحبيباب الشفافة لمحو ذكرياتها عني اي انني اصبحت غريبًا تمامًا عنها.....
بعد حوالي نصف عام من بلوغ سن التاسعة عشرة. عندما أطفأت الضوء في غرفتي ، وشربت خمرا رخيصا ، ونظرت إلى حياتي حتى الآن ، أدركت أنه في تلك السنوات التسع عشرة ، لم يكن لدي ذكرى واحدة تستحق التمعن فيها ، لقد كانت أيام رمادية. روضة أطفال ، مدرسة ابتدائية ، مدرسة متوسطة ، مدرسة ثانوية ، جامعة ... لا لون ، لا طعم ، مجرد كثافة رمادية طاغية ، كان هذا كافي بالبنسبة لي لأفهم سبب قيام الناس بتزييف ذكرياتهم " لقد كانو فارغين من الداخل ولهذا تشبثو في ذكريات زائفة "
حتى مع هاته الحقيقة لم لشعر بأي برغبة في شراء ذكريات ، ربما لأنني نشأت على التمرد على اسرة تعيش على الكذب ، لقد كرهت كل القصص الوردية المليئة بالاحلام و النجاحات لمجرد انها كانت ملفقة ، حتى حياتي الرمادية الفارغة كانت اقضل بالنسبة لي من حياة التباهي المزيف
*****
صحيح انني لم اكن بحاجة لذكريات اضافية ، لكن فكرة العبث بالذاكرة لم تكن سيئة في حد ذاتها ، منذ ان بدأت التردد الى الجامعة لم أفعل شيئًا سوى العمل في وظائف بدوام جزئي
كان هدفي هو شراء بعض" الحبيباب الشفافة"
لقد غشت حياة فارغة ، لذا اعتقدت انه لا مشكلة في نسيانها ، عندما لا يوجد شيء في مكان يجب أن يكون فيه شيء ما ، هذا يجعلك تشعر بالفراغ. لكن إذا تخلصت من ذلك "المكان" بالكامل ، فإن الفراغ سوف يتلاشى معه ، كنت أرغب في نسيان ذالك الفراغ ، كنت ارغب في الاقتراب من الصفر المطلق
لقد ادخرت المال لمدة أربعة أشهر. ثم سحبت كل أجر بدوام جزئي من حسابي المصرفي ، وتوجهت إلى المستشفى ، وقضيت نصف يوم في تقديم المعلومات لإنشاء " سجل شخصي" ، وعدت إلى المنزل منهكا. واحتفلت ببعض الوجبات الخفيفة وبعض الخمر السيئ ، لوحدي. لأول مرة في حياتي ، شعرت وكأنني أنجزت شيئًا ما.
أثناء الاستشارة ، وضعت في حالة منومة وتم توصيل بعض الاسلاك برأسي و على يدي و صدري ، لذلك لا أتذكر ما قلته. ولكن بمجرد أن غادرت العيادة وكنت لوحدي ، فكرت قائلا "لقد تحدثت كثيرًا". على الأرجح ، كنت صريحًا بشأن بعض الرغبات المحرجة أو شيء من هذا القبيل
حقيقة أن الاستشارة ، التي تتم عادة على مدى عدة أيام ، انتهت في نصف يوم فقط ، كانت دليلاً لا يمكن إنكاره على مدى خواء ماضي.
بعد شهر ، تلقيت طردًا يحتوي على الحبيبات الشفافة . لقد رأيت والداي يأخذان جرعات من "روبوتات الميمو" فائقة الصغر التي تغير الذاكرة مرات لا تحصى ، لذلك لم أكن بحاجة حتى لقراءة التعليمات المرفقة. صببت روبوتات الميمو الشبيهة بالمسحوق من العبوة في الماء ، ثم شربتها في جرعة واحدة. و جلست على الارض انتضر أن تتحول أيامي الرمادية إلى بياض فارغ
بإمكان الحبيباب الشفافة ازالة كل الذكريات
بالطبع ، ليس الأمر كما لو أنها تزيلها كلها حقا . لقد صممت للحفاظ على الذكريات التي يحتاجها المشتري ليستمر في حياته اليومية ، لا يمكن محو الذاكرة التعريفية ولكن فيما عدا ذالك سيتم ازالته ، بالنسبة لي اخترت محو كل ذكرياتي من سن 6 إلى 15 عامًا. في العادة يطلب
العملاء عمومًا محو الذاكرة عن طريق تحديد "الذكريات المتعلقة بـ ..." ؛ يبدو أن الأشخاص مثلي الذين يريدون محو فترات زمنية كاملة غير شائعين. أعتقد أن هذا منطقي. إنهم يريدون فقط التخلص من المعاناة من حياتهم ، وليس القضاء عليها ككل.
نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط . انتظرت وانتظرت ، لكن لم تظهر أي أعراض لفقدان الذاكرة. عادة ، تصل الروبوتات إلى المخ بعد 5 دقائق وتستكمل محو الذاكرة في 30 دقيقة . لكن بعد ساعة ، لم ألاحظ أي تغييرات في ذكريات طفولتي . كنت أتذكر أنني كنت على وشك الغرق أثناء دروس السباحة عندما كنت في السادسة من عمري ، وكنت أتذكر أنني كنت في المستشفى مصابًا بالتهاب رئوي لمدة شهر عندما كنت في الحادية عشرة من عمري ، ويمكنني أن أتذكر أنني تعرضت لحادث سير عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري وحصلت على ثلاث غرز في ركبتي. يمكنني حتى أن أتذكر جميع أسماء بنات أمي وزوجات والدي السابقات الخياليات. كنت أشعر بعدم الارتياح أكثر وأكثر. لربما أنني حصلت على منتج مزيف؟ أو ربما هذه هي الطريقة التي يعمل بها محو الذاكرة ؟ .
عندما كنت احاول ان اهدأ نفسي ، لاحظت وجودًا أجنبيً في طفولتي .رفعت نفسي على عجل ، وأخرجت العبوة من القمامة ، وقرأت الورقة المرفقة. دعوت ألا يكون الأمر كذلك. ولكنه قد كان. كان هناك نوع من الخطأ. لم يتم إرسال حبيباب شفافة و بدلا منها كانت هناك روبوتات نانوية مختلفة - يستخدمها بشكل أساسي أولئك الذين لديهم طفولة غير مُرضيةٍ - والتي تمت برمجتها لتوفير طفولة خيالية.
"الحبيباب الخضراء " ....كان هذا ما ابتلعته.
لم تتحول ايامي الرمادية إلى بيضاء ، بل تحولت اللون الأخضر. ، يمكنني أن أتفهم لماذا اختلطت العيادة بين الاثنين. ربما عندما سمع مستشاري "ليس لدي أي ذكريات جيدة من الطفولة ، لذلك أريد أن أنسى كل شيء" ، فقط ركز على الجزء الأول وقفز إلى نتيجة متسرعة. بالتأكيد هو لم يكن مخطئا من الاساس ، إذا لم يكن لديك ذكريات جيدة ، فاحصل على بعضها. كان هذا ذنبي ايضا لعدم التأكيد عدم رغبتي في الحصول على ذكريات طفولة خيالية
بسبب هذا الخطأ ، أصبحت عن غير قصد أحد هؤلاء الأشخاص الذين احتقرتهم بشدة.
*****
أخبرت العيادة أنني تلقيت شيئًا بخلاف ما طلبته ، وتلقيت على الفور مكالمة اعتذار. بعد حوالي أسبوعين ، تم إرسال علبتين من الحبيبات الشفافة . كانت أحداهما لمحو ذكريات طفولتي ، والآخرى لمحو تجاربي الزائفة مع الشخصية الخيالية التي تدعى ايميلي براون لكنني لم أشعر برغبة في أخذ أي منهما ، لذلك وضعتهما في خزانة دون فتحهما.
كنت خائفا جدا . لم أرغب في تجربة ذالك الشعور مرة أخرى ، لربما هذا هو السبب الذي جعل عدد العملاء المتكررين على شراء الحبيبات الشفافة اقل بكثير من باقي العملاء
لقد تم زرع حبيبات خضراء في ذاكرتي ولكن لسبب ما ، كان هناك تغيير واحد فقط وهو المتعلق
بالمدعوة ايميلي براون
عادة ، من المفترض أن تتعدد الذكريات التي توفرها الحبيبات الخضراء ، من ذكريات لأوقات المرح و اللعب مع الأصدقاء إلى ذكريات التغلب على الصعوبات معهم. لكن لسبب ما ، ركزت ذكرياتي على حلقات مع صديق طفولة واحد ،
يتم إنشاء الذكريات بناءً على مستند - "السجل الشخصي" - الذي يتم إنشاؤه بشكل منهجي ومدروس من خلال قيام البرنامج بتحليل البيانات التي تم الحصول عليها في الاستشارة. بعبارة أخرى ، قام" مهندس الذكريات " الذي أنشأ هذه ذكرياتي بفحص سجلي الشخصي وقرر أن "هذا هو نوع الماضي الذي يحتاجه هذا الرجل". يجب أن يكون المهندس قد فكر مليا ، نظرًا لأنني كنت شابًا وحيدًا حيث لم أتلق أي عاطفة من عائلتي ، و افتقر إلى اي نوع من الصداقة والصحبة أن إعطائي "شخصًا " يمكن أن يشعرني وكأنه عائلة ، صديق ، وصديقة سيكون فعالًا. إن الجمع بين هذه الواجبات في شخص واحد سيوفر الوقت مقابل تعدد الأشخاص ، وبهذه الطريقة ، يمكن ان يصبح التأثير اعمق على ذاكرتي
في الحقيقة ، كانت ايميلي براون الشخص المثالي بالنسبة لي. كانت تتناسب مع ذوقي في كل شيء . في كل مرة كنت تخطر على بالي، لم أستطع إلا أن أفكر " إذا كان لدي بالفعل صديقة طفولة مثل هاته ، كم كانت تلك الأيام لتكون رائعة."
و لهذا السبب بالذات لم أكن مسرورًا بهذه الذكريات. لأن اجمل ذكريات حياتي كانت من تلفيق شخص آخر !! وكم كرهت هذا !!
*******
قالت: لقد تأخر الوقت كثيرا ، يجدر بك ان تستيقظ هنري .
أجبتها وأنا مغمض العينين : شكرا لكي ، ولكن لا اريد .
همست في أذني: سأدغدغك إذا لم تستيقظ
" اغربي عن وجهي " ، تمتمت ، واستدرت الى الحانب الاخو من السرير
- هممم تتجرأ على استفزازي ؟ أتساءل ماذا علي أن أفعل؟ و اضافت ضحكت خبيثة
فتحت عيني وقلت: لا تفكري حتى بالامر
قالت بخبث : حسنا لن افعل ، وقفزت فوق الفراش بلا هوادة لتخلق نهاية لنومي السعيد
****
استيقظت مع انفاس متصاعدة وحلق جاف
- هل انت بخير يا سيدي ؟؟
نظرت نحو الصوت ، ورأيت موظفة في زي نادلة تنحني و تنظر إلى وجهي. جلست ونظرت من حولي لأستوعب ما حصل لي ، وبعد لحظات ، تذكرت أنني كنت في مطعم . لابد أنني قد نمت أثناء الشرب.
سألتني مرة أخرى: هل أنت بخير؟
قلت:
- هل يمكنكي أن تحضري لي بعض الماء؟. ابتسمت وأومأت برأسها ، ثم ذهبت لتحصل على إبريق. نظرت إلى ساعتي. أعتقد أن الساعة كانت الثالثة مساءً عندما دخلت الى المطعم ، والآن أصبحت السادسة بالفعل.
شربت الماء الذي جلبته النادلة ، ودفعت الفاتورة ، وغادرت. بمجرد خروجي ، أحاطت حرارة شديدة بجسدي. عندما فكرت في غرفتي غير المكيفة ، بدأت أشعر بالقلق . ستكون مثل الحمام الان
****
كانت منطقة التسوق مكتظة بالناس. لقد كان يوما وطنيا ، والجميع سيحتفل الليلة ، شممت دخانا يحمل مختلف الروائح اللذيذة من كشك صغير في الشارع . ثم رأيت عربات اخرى تنادي على العملاء ، كانت الجميع سعيدا و حتى السيارات والشاحنات بدت كذالك اذ ان طنينها لم يتوقف للحظة ولكن بالنسبة بي اعتبرته حدثا لا علاقة لي به على الاطلاق ، في مواجهة الحشد الذي كان متجهًا نحو منطقة الاحتفال حيث ستقام الالعاب النارية ، بدأت في السير إلى شقتي. مع غروب الشمس ، زاد الحشد كثيرا . إذا لم أكن حذرا ، يمكن أن أسقط الارض وانجرف تحت اقدام المارة
لقد أخطأت في الذهاب من هذه الجهة ، معتقدا أنني أستطيع الالتفاف بهذه الطريقة للوصول سريعا الى المنزل . كانت المنطقة مزدحمة بالناس بشكل كبير و العربات متمركزة على طول الطريق ، بعد مدة شعرت ان علبة السجائر في جيبي قد سحقت فقررت اخد استراحة وانتظار حشد الناس الى ان يهدأ
أخيرًا ، خرجت من منطقة التسوق و توقفت على جانب فارغ من الرصيف ثم فجأة سمعت صوتا.
" هل تريد قبلة ؟"
انا مدرك لهذا. هذا عمل الحبيبات الخضراء . إنها ليست أكثر من هلوسة ناجمة عن الارتباط باليوم الوطني. حاولت أن أفكر في شيء آخر ألهي نفسي به ولكن لا فائدة ترجى ، بمجرد ان يبدأ العقل بالتذكر لا يمكن ايقافه وكل محاولة لذالك
ستنعشه اكثر لا غير ، شيئا فشيئا بدأ وعيي يسحبني الى ذاكرتي الخيالية
- لقد بدأ الطلاب يعتقدون أننا نتواعد.
كنت أنا و ايميلي في منطقة الاحتفالات . بعد التجول وزيارة جميع العربات ، جلسنا معًا على زاوية في المدرجات الخلفية ، محدقين في الحشود تحتنا ، كنت في ملابسي المعتادة ، بينما ايميلي كانت ترتدي لباسا تقليديا أزرق غامق مزين بألوان العلم الوطني ، و أقحوان أحمر في شعرها الاسود الذي تدلى على اكتافها . لقد كان مختلفا عما ارتدته العام الماضي ، ولهذا شعرت انها اصبحت اكثر نضجا
اجبتها مع ابتسامة خافتة:
- تعلمين اننا مجرد اصدقاء طفولة اليس كذالك ؟
تناولت ايميلي جرعة كبيرة من مشروب غازي غير صحي ، ثم سعلت ببطأ . وقالت:
- هل هذا لأنك لا تريد تقبيلي ؟
أجبتها نافيا :
- طبعا لا !!
- اذن انت تريد تقبيلي !!
لم تضف ايميلي اي كلمة اخرى وبدلا من ذالك امسكت بيدي بإبتسامة مطبوعة وجهها ، واكملنا جلسة تأملنا
كنت في الخامسة عشرة من عمري ، وفي ذلك الوقت بدأت أراها في ضوء رومانسي. في السنة الثالثة من المدرسة المتوسطة ، ذهبنا إلى فصول مختلفة ، مما قلل بشكل حاد من مقدار الوقت الذي نقضيه معًا - وكان هذا هو ما أطلق شرارة ذلك. في تلك السنة كان لدي إدراك مؤلم أن صديقة طفولتي ، التي كنت أعتبرها مثل الأسرة حتى ذلك الحين ، كانت في الواقع فتاة عادية مثل أي من الفتيات في القسم
وفي الوقت نفسه ، أدركت انجذابي الرومانسي إليها.، ادركت ان ايميلي كانت فتاة جميلة جدًا. منذ تلك اللحظة ، وجدت نفسي تائهًا في وجهها الذي كان يجب أن يكون مألوفًا جدًا بالنسبة لي ، وغالبًا ما شعرت بالقلق لمجرد رؤيتها تتحدث مع الأولاد الآخرين. ربما كان السبب في أنني لم اكن اهتم بالفتيات الاخريات حتى ذلك الحين هو أن شريكي المثالي كان معي منذ البداية.
بسبب معرفتنا الطويلة ، لاحظت بسرعة أن ايميلي كانت تمر بتغير عقلي مماثل. منذ صيف السنة الثالثة من المدرسة الإعدادية ، بدأت في معاملتي بطريقة أكثر حرجًا. على الرغم من أنها تصرفت كما كانت عليه دائمًا ، إلا أنه من خلال الملاحظة الدقيقة ، استطعت أن أرى أنها كانت تحاول فقط تقليد سلوكها السابق. لا بد أنها كانت تبذل قصارى جهدها للحفاظ على علاقتنا غير الرسمية. عندما جاءت السنة الرابعة و عدنا لكوننا في نفس القسم ، بدأنا في الالتصاق ببعضنا البعض باستمرار ، مثلما اعتدنا سابقا . لم نسأل بشكل مباشر عن مشاعر بعضنا البعض ، لكن في بعض الأحيان كنا نحاول التحقق من ذالك . عن طريق المزاح كما تفعل ايميلي في اغلب الاوقات
وفي ذلك اليوم ، دخلت ايميلي مرحلتها الأخيرة من التحقق
" هاي انت ، هل تريد قبلة ؟"
تحدثت معي بينما كنت جالسًا بجانبها ، وبصرها لا يزال ثابتًا على الحشد تحتنا . قالت الأمر كما لو بشكل مفاجئ كما لو كان امر طبيعي ، ولكنني شعرت انها بذلت جهدا كبيرا في ذالك
اضافت بتبرة مترددة:
- هيا ، دعنا نختبر ما اذا كنا مجرد اصدقاء طفولة ام لا ؟؟ ".
- أراهن أننا لن نشعر بأي شيء اجابتها بشكل عابر
- أتظن ذالك حقا ؟ "
- من المحتمل.
- حسنًا ، لنجرب
واجهتني ايميلي وأغلقت عينيها. ثم اقتربت ببطئ مني بشفاه مغلقة
طبعا كان هذا مجرد عبث. تجربة من أجل الفضول. أعني ، أن القبلة ليست بهذه الأهمية. بعد
.... بعد أن انفصلت شفاهنا ، واجهنا بعضنا البعض مرة أخرى كما لو لم يحدث شيئ من الاساس ثم سألتها
- كيف كان ذلك؟". خرج صوتي جافًا ومحرحا بشكل غريب
"هممم ..." خفضت ايميلي رأسها قليلاً. ثم اضافت :
- لم ينبض قلبي لذالك !!
- وأنا كذلك."
- هاااااه. !!!
- ، لقد أخبرتك مسبقا أليس كذلك؟ لن نشعر بأي شيء.
- نعم. بالتأكيد ، أعتقد أننا مجرد أصدقاء طفولة.
لقد كانت محادثة عن أكاذيب ساذجة. كنت أرغب في تقبيلها مرة أخرى على الفور ، شعرت ان لها نفس المشاعر في حركة عينيها وصوتها المرتعش ، وعرفت أن التوقف الطفيف قبل ردها الأول كان لأنها حاولت قول " لم اشعر بأي شيئ لدى دعنا نجرب مرة اخرى " ولكنها تراجعت عن ذالك
لقد كنت اخطط لشيئ مشابه لما فعلته ولكن ، في تلك الثواني القليلة الماضية التي تلامست شفاهنا فيها ، تغيرت أفكاري بشكل كبير وشعرت وكأن الخلايا في جسدي تحذرني : "لا يمكنك التقدم أكثر من ذلك". لأنني كنت خائفا انني إذا ذهبت إلى أبعد من ذلك ، فسوف يتغير كل شيء.
وبعد ذلك لن يكون هناك عودة إلى علاقة كالتي لدينا الآن. ، يجب أن تكون ايميلي قد لاحظت ذلك أيضًا. لقد غيرت الخطة على عجل
في الحقيقية كنت ممتنا لقرارها الحكيم. لأنها إذا اكملت وفتحت قلبها لي ، فلن أتمكن أبدًا من الرفض.
*****
في طريق العودة إلى المنزل ، تذكرت ايميلي شيئًا وتحدثت قائلة:
- بالمناسبة ، كانت تلك هي المرة الأولى بالنسبة لي
تظاهرت بالجهل قائلا :
- أول مرة ماذا ؟؟
اجابت:
- التقبيل. هل كانت كذالك بالنسبة لك يا هنري؟"
- إنها الثالثة !!
- هاه؟؟؟
اتسعت عينا ايميلي وتوقفت فجأة عن المشي ثم قالت بتردد واضح:
- من ومتى ؟؟؟
قلت:
- ألا تتذكرين ؟؟؟
- ... هل كان الاثنان الآخران معي؟
اجبتها بإبتسامة خفيفة:
- في الخزانة في منزلي عندما كنا في السابعة من عمرنا ، تحت المكتب في منزلكي عندما كنا نبلغ 10 أعوام.
بعد بضع ثوانٍ من الصمت قالت :
- أوه ، أنت على حق
ثم اضافت:
- واو ، لديك ذاكرة جيدة.
- ربما كنتي أنتي من نسيتي ، ايميلي
حكت رأسها بحرج ثم قالت:
"آسفة !!"
حاولت استفزازها قائلا:
"أراهن أنكي ستنسين ما حدث اليوم في غضون بضع سنوات أيضًا.؟؟
- الثالثة ؟ حقا !!
صمتت ايميلي للحظة ، ثم ومضت ابتسامة على وجهها
- همم ، في الواقع لقد كانت هذه الرابعة !!
هذه المرة ، كنت مندهشا.
- متى ؟؟؟
قالت بثقة واضحة:
- لن اقول ، لكنها كانت منذ وقت قريب جدا ؟؟
- لا ..اتذكرها !!
قالت:
- حسنًا ، لقد كنت نائمًا يا هنري .
- .. لم ألاحظ.
لقد كانت الخامسة في الواقع ، فكرت في هذا وانا انظر لإبتساماتها السعيدة ، عدد لا يحصى من الذكريات المزيفة الحلوة الوردية اصبحت موجودة في ذهني. وظهرت كل التفاصيل الصغيرة و الكبيرة بشكل أكثر وضوحًا من أي ذكرى حقيقية ، وهزت قلبي بعنف.
على عكس الذكريات العادية ، لا يمكنك ان تنسى الذكريات المزيفة مع مرور الوقت . انهم اشبه بالوشوم . لا يمكن نزعهم بشكل طبيعي ، وفقًا لدراسة سريرية ، فإن المرضى الذين يعانون من مرض الزهايمر الجديد والذين تم زرع ذكرياتهم الاصلية ، حتى بعد فقدان كل ذكرياتهم سيتذكرون المزيفة منها لفترة اطول قليلا ، اما في الحالة العادية فلا يمكن محو الذكريات المزيفة إلا بواسطة الحبيباب الشفافة المصصمة خصيصا لإزالتها ، طالما أنني لم أمح تلك الذكريات ، فسوف أكون محاصرًا إلى الأبد بذكريات مع صديق طفولة الذي يكن موجودًا ابدا .
اخفضت رأسي وتنهدت. لقد سئمت من ترددي الدائم ، نظرت لأعلى لأجد نفسي امام العمارة التي اسكن بها . يبدو أنني وصلت إلى المدخل وأنا ضائع في التفكير. شعرت بالارتياح: الآن تمكنت أخيرًا من الهروب من المهرجان. طالما كنت هنا ، سأظل أفكر في ذلك الماضي الذي لم يكن موجودًا.
ثم سمعت دوي انفجار. نظرت إلى اقصى الشارع ، ورأيت الألعاب النارية تنطلق في سماء الليل. ثم نظرت للأسفل مرة اخرى واعتقدت أنني سمعت أحدهم يقول " استدر !!! ".
أبطأت من وتيرتي دون وعي. ثم نظرت يمينا وشمالا وكأنني ابحث عن شيئ مفقود
بين الحشد ، رصدتها على الفور....وهي أيضًا كانت تنظر إلي ....نعم ، كانت هناك فتاة.....ركض الشعر الأسود إلى كتفها.....كانت ترتدي لباسا تقليدي بألوان فاتحة ....مع بشرة شاحبة ملفتة للانتباه....والأقحوان الأحمر في شعرها.
التقت أعيننا مع بعضها ، وشعرت وكأن الوقت قد توقف .كنت أعرف ذلك بشكل حدسي. كانت لديها نفس السمات التي اعرفها . كل شيء ما عداها فقد لونه فجأة . اعتقدت أنني بحاجة إلى ملاحقتها. اعتقدت أنني بحاجة للتحدث معها. ثم قررت التوجه نحوها. وقررت هي ان تفعل المثل
لكن الحشد جرنا بلا رحمة بعيدًا ، وفصلنا عن بعضنا البعض. وفي غمضة عين لم ارها مرة اخرى