
فى طاعة الله حبنا
حبّ عبر المسافات… حين قادهم الحب إلى الله لا إلى الهَوى
في زمنٍ صار فيه الحب يُرسل عبر الرسائل، والعلاقات تُبنى على صور وشاشات، تبقى قصصٌ قليلة تبرهن أن النقاء ما زال ممكنًا، وأن القرب من الله هو أجمل صور الحب.
لم يعد التقاء الأرواح مقتصرًا على اللقاءات الواقعية أو المصادفات اليومية، فاليوم أصبح العالم الافتراضي يُقرّب المسافات، ويجمع بين أناسٍ من شتى الأقطار. غير أن هذه النعمة سرعان ما تنقلب نقمة إذا ما استُعملت في غير طاعة الله.
في هذه القصة الواقعية، نقترب من "علي" الشاب المصري، الذي شاءت الأقدار أن يتعرف على فتاة جزائرية تُدعى "سارة"، من خلال أحد مجموعات موقع فيسبوك. لم يكن في نيتهما شيء سوى الحديث العابر، لكن كما يحدث دائمًا... تسلّل التعلّق دون استئذان، وتحول الفضول إلى ألفة، والحديث إلى مشاعر.
تحدثا كثيرًا، وتبادلا الصور والتفاصيل اليومية، وشيئًا فشيئًا وجد كلٌّ منهما في الآخر ملاذًا نفسيًا، رغم أنهما لم يلتقيا يومًا. إلا أن علي، وبرغم تعلقه، شعر بثقل الذنب يجثم على صدره، وبدأت في قلبه يقظة إيمانية تدفعه للتراجع.
قال لها ذات يوم: "سارة، ما نفعله لا يرضي الله، نحن نغضبه في كل لحظة نكلم فيها بعضنا ونحن لسنا من محارم بعض."
فأجابته متأثرة: "أتظنّ أنني لا أعني لك شيئًا؟ أنا لا أريد أن أخسرك، سأحاول أن أكون كما تُحب."
فقال بعفوية صادقة: "أنا لا أكرهك، بل أحبك… ولكن أُحبّ أن نحبّ الله أكثر."
هذه الكلمات كانت كالصاعقة على قلب سارة، لكنها سرعان ما بادلت علي الشعور، وطلبت منه طلبًا واحدًا قبل أن يبتعدا:
"علّمني ديننا، فأنا بعيدة عن الله، وأحتاج من يأخذ بيدي."
وهنا بدأت الرحلة الحقيقية…
أخذ علي يبحث ويسأل ويتعلم، فكان يحفظ الأحاديث، ويقرأ التفاسير، ثم يشاركها مع سارة، يُعلمها ما يتعلم، ويذكرها دومًا بأن العفّة زينة المرأة، وأن الستر هو الأصل. لم تكن العلاقة بينهما فقط مشاعر؛ بل أصبحت سعيًا نحو الهداية، ودربًا نحو التوبة.
وبعد عامٍ من التقوى والعودة إلى الله، تذكر علي وعده القديم: أن يترك سارة ابتغاء وجه الله، وأن يلقاها في الحلال فقط. فصارحها بهذا القرار، وقال:
"هذا امتحان من رب العالمين، إن كنتِ من نصيبي، سأعود إليكِ زوجًا كما وعدتك."
ردّت سارة بكل إيمان:
"أنا معك، وإن طال الغياب. سأنتظرك، لأنك لست مجرد شخص، بل نعمة ساقها الله لي."
فابتعدا، رغم الألم والاشتياق، وصارا يجاهدان نفسيهما ألا يعودا للكلام، حتى اعتادا الصبر، وتعلّما أن الحب الحقيقي لا يُقاس بالكلمات، بل بما يُرضي الله.
ومضت السنوات…
أنهى علي دراسته وخدمته العسكرية، ولم ينسَ وعده. عاد يبحث عن سارة، وطلب منها رقم والدها ليتقدم رسميًا. شعرت بالخوف، لكنها تشجعت، وأخبرت أمها، التي ساعدتها في إقناع والدها.
وافق الأب بعد أن قرأ رسائل قديمة، شهدت بصدق نية علي، وأخلاقه. وقال لها:
"الرجل الصادق يُعرف من كلماته قبل أفعاله، وأنا أؤمن أن هذا الشاب يستحقك."
لكن لم تكن العقبة الوحيدة هي والد سارة؛ بل كانت في بيت علي، حيث رفض والداه الأمر بشدة. عاش علي خمسة أشهر في ألم وقلق، خائفًا من أن يخلف وعده، إلى أن رقّت قلوب والديه، ووافقا.
تم الزواج، وكان أجمل ما فيه هو الاتفاق بين الزوجين على تربية أبنائهما على طاعة الله، والبعد عن مواقع التواصل، التي كانت بداية العلاقة… ولكنها لم تكن غايتها.
خاتمة: الحب الحقيقي هو من يأخذك إلى الجنة
قصة علي وسارة ليست قصة حب عادية، بل قصة شابين أدركا أن الحب لا يعني فقط التعلق والمشاعر، بل مسؤولية، وتضحية، والتزام أمام الله.
وإن كان كثيرون يرون أن الإنترنت هو بوابة للفتن، فإن هذه القصة تُثبت أنه حين يتزين القلب بالإيمان، فإن كل وسيلة تصبح طريقًا لله، لا للضياع.
فالحب الذي يقودك إلى الله… هو وحده الحب الحقيقي.