
رواية صوت القبو
رواية: صوت القبو
الجزء الأول
الفصل الأول: الرحيل المر
لم يكن الانتقال إلى ذلك المنزل خيارًا… بل كان اضطرارًا.
الأب، بعد سنوات من العمل في شركته الصغيرة، وجد نفسه غارقًا في ديون ثقيلة إثر أزمة اقتصادية مفاجئة. البنوك طاردته، الشركاء تخلوا عنه، وفي النهاية لم يبقَ سوى أن يبيع كل ما يملك ليسدد ولو جزءًا من الديون.
الشقة في قلب المدينة بيعت بثمن بخس، وحين بحثوا عن مكان آخر وجدوا أنفسهم أمام عرض غريب: منزل قديم، واسع بشكل يثير الريبة، معروض للإيجار بسعر زهيد جدًا.
الأم حاولت أن تقنع نفسها أن الأمر مجرد "حظ جيد"، أما ندى، فلم تشعر سوى بغصة غامضة.
– "مش مرتاحة يا بابا… البيت شكله مرعب."
ابتسم الأب بفتور:
– "مش وقت أوهام يا ندى… أهم حاجة نلاقي مكان ننام فيه. الديون مش سايبانا."
الفصل الثاني: الوصول
وصلوا عند الغروب. الطريق المؤدي للمنزل تحيط به أشجار عارية من أوراقها، والسماء ملبدة بالغيوم الثقيلة.
المنزل نفسه بدا كأنه ينتظرهم… جدرانه متشققة، نوافذه مظلمة، وبابه الخشبي الضخم يئن عند كل نسمة هواء.
حين خطت ندى داخل البيت، غمرتها رائحة رطوبة مختلطة بدخان قديم. الأثاث المغبر كان في مكانه كأن الأسرة السابقة تركته على عجل.
في زاوية الصالة، ساعة حائط قديمة متوقفة عند الثانية عشرة تمامًا.
الفصل الثالث: الليلة الأولى
جلس الجميع حول مائدة صغيرة، يتناولون وجبة باردة في صمت. التوتر يملأ الجو.
الأب شارد، الأم تحاول إخفاء قلقها، أما أخوها الصغير "آدم" فكان يراقب السقف بعينين واسعتين.
سألته ندى:
– "مالك يا آدم؟"
– "في حد بيناديني من تحت… بيقول لي تعال."
ارتجف جسد ندى، لكنها حاولت أن تضحك:
– "ده وهم يا حبيبي… مجرد صوت الريح."
بعد منتصف الليل، انقطعت الكهرباء فجأة. في الظلام الدامس، سمعت ندى بوضوح همسًا خافتًا يتسلل من تحت الأرضية:
– "نــدى…"
الفصل الرابع: القبو
في صباح اليوم التالي، قررت ندى أن تنزل إلى القبو. السلم الخشبي المؤدي إليه كان متآكلًا، والهواء بالداخل بارد بشكل غير طبيعي.
على ضوء الكشاف، رأت الغرفة مليئة بالأتربة والعناكب. لكن ما لفت نظرها هو الباب الحديدي في الجدار الخلفي.
كان صدئًا، ضخمًا، محفورًا عليه رموز غريبة أشبه برسومات أطفال… لكن مشوهة.
اقتربت ولمست الباب، فشعرت وكأنه ينبض ببطء، كما لو كان كائنًا حيًا. تراجعت بسرعة، وخرجت من القبو وهي تحبس أنفاسها.
الفصل الخامس: التغير
بمرور الأيام، بدأت الأسرة تتغير.
الأب صار عصبياً، يقضي لياليه يكتب أرقامًا ورموزًا على قصاصات ورق لا معنى لها.
الأم تجلس بالساعات تحدق في الفراغ، وفي بعض المرات تتمتم بكلمات غير مفهومة.
أما آدم، فقد صار ينام عند باب القبو، ويبتسم وهو يردد:
– "هم بيحبوني… بيقولوا لي أنا زيهم."
ندى وحدها كانت تقاوم. تقضي لياليها في خوف، تسمع أصوات خطوات في الممرات، وضحكات أطفال مجهولين تتردد في البيت.
الفصل السادس: النقود المعدنية
ذات صباح، استيقظت الأم لتجد أمام باب غرفتها صفًا مرتبًا من عملات معدنية قديمة. لم يكن أحد من الأسرة يملك مثلها.
الأب اعتبرها "بشارة خير"، لكن ندى شعرت أنها علامة من عالم آخر.
حين أمسكت إحدى العملات، أحست بحرارة حادة كأنها قطعة جمرة.
الفصل السابع: الكوابيس
بدأت ندى ترى أحلامًا مرعبة: أطفال بوجوه مشوهة يمدون أذرعهم إليها من وراء قضبان حديدية. كلهم يصرخون في انسجام:
– "افتحي الباب… أخرجينا."
تستيقظ على صدى بكائهم، لتجد نافذتها مفتوحة والبرد يلسعها.
الفصل الثامن: الورقة
في إحدى الليالي، وجدت ورقة قديمة مطوية تحت وسادتها. مكتوب عليها بخط مهتز:
"هذا البيت لا يُشترى بالمال… بل بالدم."
تجمدت الدماء في عروقها. حاولت أن تواجه والدها بالورقة، لكنه صرخ في وجهها بعنف لم تعهده منه:
– "إياكِ تفتحي القبو! المكان ده أقدم مننا… وهو اللي اختارنا."
الفصل التاسع: الصدع
في القبو، لاحظت ندى أن جدارًا بجانب الباب الحديدي بدأ يتشقق. من الصدع تسربت رائحة كريهة، ومعها صوت بكاء خافت.
كل ليلة، كان الصوت يزداد وضوحًا. أحيانًا تسمع كلمات:
– "حان الوقت…"
الفصل العاشر: المواجهة
في ليلة عاصفة، لم تتحمل ندى أكثر. نزلت القبو وهي ترتجف، ووجدت الباب الحديدي مواربًا قليلًا، كأن أحدًا من الداخل فتحه بانتظارها.
رفعت الكشاف، فرأت بخارًا يتصاعد من سطح الباب، مرسومًا على شكل كلمة واحدة:
– "ادخلي."
الفصل الأخير: الظلام
دفعت الباب ببطء. خلفه لم يكن مجرد غرفة، بل ممر طويل يبتلع الضوء.
خطت خطوة إلى الداخل، وفجأة انطفأ كشافها، لتسمع صوتًا هامسًا قريبًا جدًا من أذنها:
– "أخيرًا… جيتي."
تجمدت في مكانها، محاطة بظلام لا نهاية له، بينما أصوات ضحكات الأطفال تتعالى من كل اتجاه.
– يتبع في الجزء الثاني…