مفارقة ضوء النجوم 3

مفارقة ضوء النجوم 3

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الفصل الثالث

image about مفارقة ضوء النجوم 3

زمن مكسور

بعد ما السفينة عدّت من البوابة الضوئية، الدنيا حواليهم اتقلبت رأسًا على عقب. النجوم شكلها مش زي الأول، بتلمع بألوان مالهاش اسم، ألوان كأنها اتولدت من خيال مش من الطبيعة: بنفسجي داكن بيلف حوالين أصفر ساطع، وأمواج من الأزرق المعدني بتجري كأنها أنهار في الفضاء. إلارا حسّت إن الزمن نفسه مش ثابت، وكأن كل ثانية ليها طعم مختلف. مرة تحسها طويلة زي العمر، ومرة تلاقيها بتعدي كأنها رمشة عين.

كايلين كان واقف جنبها، ماسك لوحة القياس بإيد قوية، وعينه مركزة كأنه بيحاول يقرأ السر من وسط الأرقام اللي مش مفهومة. قال بنبرة جادة: “إحنا مش في الفضا اللي نعرفه… ده زمن تاني. كل حاجة حوالينا بتقول إننا اتحركنا مش بس في مكان، لكن في خط الزمن نفسه.”

إلارا ردت وهي مش قادرة تشيل عينيها عن المشهد اللي برا: “حاسّة إننا مش بس انتقلنا في مكان… إحنا فعلاً اتحركنا في وقت تاني. كأن السفينة اتحولت لبوصلة بتتنقل بين اللحظات.” كلامها كان فيه خوف، لكنه كان مليان فضول برضه.

الطاقم كله بدأ يلاحظ حاجات غريبة. واحد من المهندسين رفع ساعته اليدوية وهو مرعوب، عقاربها بتلف بسرعة جنونية وبعدين تقف فجأة كأنها بتموت. في الجهة التانية، أحد العلماء حط إيده على الحيطة وحس إن دقات قلبه مش ماشية مع الزمن، كأن صدره بيتحرك أسرع من اللي حواليه. في حد تاني صرخ وهو بيشوف لمحة من نفسه أكبر في السن بعشر سنين، وواحدة من الطاقم شافت نفسها صغيرة كأنها رجعت لمرحلة الطفولة. الأصوات نفسها كانت بتتأخر: الكلمة تتقال دلوقتي وتسمعها بعد ثانيتين، زي شريط تسجيل بيتلعب متأخر.

وسط الجو الغريب ده، إلارا وكايلين اجتمعوا مع فريق العلم. التحاليل اللي جمّعوها قالت إنهم موجودين في منطقة زمنها مش خطي، كله متشابك ومتداخل. كأن الماضي والمستقبل بيتخانقوا في نفس اللحظة. أي حركة ممكن تودّيهم قدام في مئات السنين أو ترجّعهم لورا لآلاف السنين. الخطورة مش بس في المكان اللي ممكن يوصلوا له، لكن في احتمال إنهم يتفتتوا ما بين اللحظات وميرجعوش تاني.

في الليل، وهي قاعدة في غرفة المراقبة، إلارا لمحت حاجة خلت قلبها يتقفل من الرهبة. من خلال الزجاج، شافت نسخة منها ومن كايلين، قاعدين مع بعض على الكراسي قدام النجوم. النسخة دي كانوا أكبر شوية، ملامحهم فيها نضج وخطوط زمن واضحة، وكأنهم جايين من مستقبل بعيد. كانوا بيتكلموا مع بعض بهدوء، كأنهم عارفين النهاية ومرتاحين ليها. إلارا مسكت نفسها عشان ما تصرخش، قلبها اتخبط وقالت في سرها: “هل ده مستقبلنا… ولا مجرد خدعة زمنية بتلعب بينا؟”

كايلين دخل عليها بهدوء، صوته واطي لكنه واصل ليها. شاف ملامحها المتوترة وسأل: “شُفتي حاجة تانية، مش كده؟”

هزت راسها بالإيجاب، وعينيها بتلمع بخوف، وحكت له اللي شافته. هو سمعها للآخر، وبعدها ابتسم ابتسامة صغيرة لكن فيها ثبات وقال: “يبقى لازم نفتكر حاجة واحدة: مهما الزمن لعب بينا، اللي هيثبت هو اختيارنا دلوقتي. المستقبل مش مكتوب علينا، إحنا اللي هنكتبه.”

تاني يوم، السفينة التقطت إشارة ضعيفة جاية من قدام. الإشارة كانت مشوشة جدًا، مليانة ترددات متكسرة كأنها خارجة من عمق بحر الزمن. الرسالة مش واضحة، لكن فجأة ظهر فيها صوت آدمي متقطع، بيقول: “ارجعوا… قبل… فوات… الأوان…” الصوت كان مرعِب لأنه جاي كأنه من بعيد جدًا، وفي نفس الوقت قريب جدًا من ودانهم.

الطاقم كله اتجمد مكانه. العيون اتقابلت والقلوب بتدق بسرعة. إلارا بصت لكايلين، وهو قال بصوت تقيل: “ممكن يكونوا… إحنا؟ نسخة مننا في زمن تاني؟”

إلارا ردت، وعينيها مليانة قلق وفضول في نفس الوقت: “أو يمكن حد تاني ضاع في الزمن زينا… واستنجد بينا.”

السفينة فضلت متجهة ناحية مصدر الإشارة، وكل خطوة قدام كانت كأنها قفزة في مجهول جديد. كل ما يقربوا، الفضاء بيتفتت أكتر، والزمن بيتحول لمرايات متكسّرة بتوريهم صور مختلفة: لحظات من ماضيهم، ومشاهد من مستقبل مش مؤكد. في حد شاف لحظة موت، وحد شاف فرحة لسه ما جتش. الذكريات نفسها بقت تيجي وتروح زي الأحلام، لحظة تفتكرها، لحظة تختفي.

لكن وسط كل ده، في حاجة واحدة كانت ثابتة: الرابط اللي بيتقوى بينهم مع كل لحظة غريبة. الرابط اللي بقى الأمل الوحيد في إنهم يوصلوا للحقيقة… ويرجعوا من الزمن المكسور اللي حاصرهم.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

2

متابعهم

0

مقالات مشابة
-