القصر الاسود جزء ( 1 )

القصر الاسود جزء ( 1 )

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

                    القصر الأسود في المدينة     البيضاء رحلة استكشاف هذة المدينة العجيبة

كانت الكلمات تُغلق الأبواب ورائي بصرامة لا ترحم. "مُطرَد".. كانت هذه هي التهمة الجاهزة التي لُصقت بي، جريمة الاختلاف، أو ربما جريمة الفضول الذي تجاوز حدوده في بلدة صغيرة لا ترى أبعد من أسوارها. غادرت، وحقيبتي الخفيفة تحمل أكثر من طاقتها؛ تحمل ذكريات مكسورة، ووجع فراق، ولكنها أيضًا حملت بذرة عناد صغيرة، وإيمانًا غامضًا بأن وراء هذا الأفق المُغَبَّر، يجب أن يكون هناك مكان لي.

رحلة البحث عن ملاذ

سار بي الطريق طويلًا، متعرجًا كحياتي، بين جبال صماء ووديان ساكنة. كانت الشمس قاسية، والريح تحمل همسات لم أفهمها، وكأنها تحذرني أو تشجعني، لم أدرك. لكني واصلت السير، متشبثًا بخيط رفيع من الأمل، وبتفويض عميق: "فظني فيك يا ربي جميلاً". لم يكن لدي سوى هذا الدعاء كنُصْلَةٍ في ليلٍ بهيم. وبعد أيام من التيه، بدأت ملامح غير مألوفة تظهر في الأفق.

المدينة البيضاء: الجمال الغامض

ثم، وكأن الأرض قررت أن تكافئني على صبري، أو ربما أن تختبرني بامتحان جديد، اكتملت ملامح المدينة أمام عينيّ. لم تكن مدينة عادية. انبثقت من قلب الصحراء كحلمٍ ناصع البياض. تحت ضوء الشمس الذهبي، كانت كل مبانيها تتلألأ بلون الثلج النقي، منحوتةً من حجر الجير أو مطلية بطلاء يعكس النور، لدرجة أنها آذَت عينيّ المتعبتين من شدة البريق. كانت جميلة بشكلٍ مثير للريبة، مثالية بشكلٍ غير طبيعي، كأنها لوحة فنية رائعة لكنها تفتقر إلى دفء الحياة.

اللغز الذي في الأفق: القصر الأسود

وسط هذا البحر الأبيض المُعمي، كان هناك بقعة واحدة، لوحة واحدة سوداء، انكسارٌ وحيد في انسجام هذا العالم الناصع. كان منزلًا، أو بالأحرى، هيكلاً أشبه بقصرٍ منسي من حقبة أخرى، شامخًا بتعاليٍ وتحدٍّ. كان لونه أسود قاتمًا، كالفحم أو كالليل بلا نجوم، يبتلع الضوء من حوله بدلاً من أن يعكسه. كان الصمت يلفه، صمتٌ ثقيلٌ ومحسوس حتى من هذه المسافة. سألت أول عابرٍ رأيته، محاولاً إخفاء رعبي فضولي: "ما هذا المكان؟" نظر إليّ الرجل كما لو أنني سألت عن الشمس، ثم قال بنبرة مختلطة بين الخوف والاحترام: "ذلك هو القصر الأسود." ثم مضى في طريقه بسرعة، وكأن مجرد الحديث عنه قد يجلب نحسه.

التحذيرات والفضول الذي لا يهدأ

حذّرني الجميع. كانت التحذيرات تتكرر بنبرة واحدة: "ابتعد عن تلك الجهة. لا تقترب. بعض الأسرار يُفضَل تركها نائمة." ولكن، ألم يُطردني فضولي من قريتي أساسًا؟ ألم يكن هذا الفضول نفسه هو آخر ما أملكه؟ كان القصر، رغم سواده التام، جميلاً بشكلٍ غامض ومخيف. وحوله، كانت تُزرع أشجار الماهوجني العتيقة، ضخمة وشامخة، جذوعها الحمراء الداكنة المتشابكة تبدو كحراس أشداء للسر الذي في الداخل. أوراقها الخضراء الداكنة شكلت تباينًا صارخًا مع سواد القصر وبياض المدينة، وكأنها حلقة الوصل بين هذا العالم وذاك.

لقاء مصيري وملاذ غير متوقع

لم أكن أملك شيئًا. النقود التي جلبتها معي لم تكن سوى أوراق ملونة لا قيمة لها في هذه المدينة الغريبة، حيث كان الذهب والفضة هما العملة المتداولة، وكأن الزمن قد توقف هنا منذ قرون. كان عليّ أن أجد مأوى أولاً، أن أضمن بقائي على قيد الحياة في هذا العالم الغريب قبل أن أغامر باكتشاف أسراره. وبينما كنت أتجول في الأزقة البيضاء النظيفة بشكلٍ مريب، رأيته: رجلاً عجوزًا يجلس على عتبة منزله المتواضع، نظراته تائهة في الفراغ. تقدمت منه، وعرضت عليه خدماتي في أي عمل يقبل به، مقابل سقفٍ فوق رأسي. نظر إليّ، وفي عينيه بريق احتضاره، ثم همس: “كان لدي ابن... في مثل عمرك تقريبًا. ولكنه ذهب ذات يوم ولم يعد. سأكون سعيدًا بوجودك هنا. ربما تكون أنت البشارة التي انتظرتها.”

البداية الحقيقية للغز

استقبلني في بيته، وكانت غرفته الصغيرة هي ملاذي الأول من غرابة هذا العالم. في اليوم الأول، جلست أمامه محاولاً كسر الجليد، فقلت أول ما خطر على بالي، محاولاً إبداء الإعجاب: "مدينتكم جميلة جدًا، لقد أحببت هذا النوع من المنازل، واللون الأبيض جميل جدًا." نظر إليّ الرجل العجوز، لم تكن نظرة غضب، بل كانت نظرة حيرة عميقة، كمن يسمع كلامًا غير منطقي. ثم قال بصوته الخشن: "عن أي مدينة تتحدث يا بني؟" ظننته في بداية خرف، فأعدت قولي: "أقصد منازلكم الجميلة.. البيضاء." ابتسم ابتسامة خفيفة محزنة ولم يجب، وكأنه يعرف حقيقة لا أستطيع رؤيتها. في تلك اللحظة، أدركت أن غرابة هذه المدينة لا تقتصر على القصر الأسود وعملتها الذهبية. هناك سر أكبر هنا، سر يحيط بالكل ولا يراه إلا الغريب القادم من خارج السور.

 

الاستعداد للمواجهة

مرت الأيام وأنا أخدم الرجل العجوز بإخلاص، ممتنًا للأمان الذي منحني إياه. لكن الفضول ظل ينخر في قلبي كسوسة خفية. القصر الأسود كان يلوح لي من نافذة غرفتي الصغيرة، كنداء صامت، كظل لحكاية تنتظر من يكتبها. قررت أن أبحث عن عمل آخر، عن طريق لأجمع بعض الفضة، لأكون مستقلًا، ولأتمكن من الاستعداد لأي رحلة استكشافية محفوفة بالمخاطر. ووجدت ضالتي في امرأة تبيع مشغولات يدوية رائعة في السوق. عرضت عليها أن أكون تاجرها الجوال، أبيع بضاعتها في الأماكن المختلفة مقابل نسبة من الربح. وشرطي الوحيد كان أن تدفع لي فضة بدلاً من الذهب، كي لا أثقل نفسي. وافقت المرأة، وها أنا ذا الآن، أمشي في شوارع المدينة البيضاء، حاملاً بين يديّ آثارًا من صنع أناسها، ولكن عينيّ لا تفارقان ذلك الظل الأسود الذي يرتفع في الأفق. إنه انتظار مؤقت فقط. لأني أعلم، بعمق يقيني، أن قصتي الحقيقية مع هذه المدينة لم تبدأ بعد. إنها هناك، خلف تلك الجدران السوداء الصامتة، تنتظرني

يتبع ..

تغريد الفاتح 

image about القصر الاسود جزء ( 1 )
 

.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-