
شاب الفقير: حكاية صبر وصراع مع الحياة
الاسم \ احمد محريم


في زوايا المدن المزدحمة، تختبئ قصص لا يلتفت إليها الكثيرون، قصص عن بشر يعيشون بيننا ولكن لا نراهم. من بين هذه الحكايات، قصة رجل عجوز فقير، أنهكته السنين، وتركته الحياة وحيدًا يواجه برد الشتاء وحر الصيف، دون مأوى ولا سند. هذه القصة ليست مجرد حكاية عابرة، بل هي صورة من صور الواقع الذي نعيشه، ومرآة تعكس احتياجات مجتمعنا إلى مزيد من الرحمة والتكافل.
ملامح العجز والفقر
كان الرجل العجوز يجلس على عتبة بيت مهجور، يحمل عصاه بيد مرتعشة، ويمسح عرقه بيد أخرى هزيلة. تجاعيد وجهه تحكي تاريخًا طويلًا من التعب والكفاح، وصمته يصرخ بألف كلمة. لم يكن يمتلك سوى معطف قديم ممزق يقيه من البرد، وزوج حذاء بالٍ بالكاد يحمي قدميه. لكن، رغم قسوة الفقر، كان هناك بريق غريب في عينيه، وكأن داخله قوة خفية تمنعه من الاستسلام الكامل.
رحلة عمر من الكفاح
لم يولد هذا الرجل فقيرًا، بل عاش أيامًا أفضل في شبابه. كان يعمل بجد في مهنة بسيطة، يسعى ليؤمّن لقمة العيش. لكن الظروف القاسية والمرض والإهمال الاجتماعي جعلته يفقد عمله، ومع مرور السنوات فقد أصدقاءه وأقاربه. تحول من رجل منتج يكد ويتعب، إلى رجل عاجز يعتمد على إحسان الآخرين. ومع ذلك، لم تفارقه عزيمته الداخلية، ولم يشتكِ أو يرفع صوته باللوم.
صمت مؤلم وصبر عظيم
كان أكثر ما يوجع في حاله هو صمته. لم يكن يتسول في الطرقات، بل كان يجلس بهدوء، يكتفي بابتسامة متعبة إذا مرّ أحد بجانبه. أحيانًا يمنحه الناس بعض الخبز اليابس أو ما تيسر من الطعام، فيشكرهم بكلمات قليلة صادقة. كان يرى أن الفقر قَدَر، وأن الكرامة لا تُباع حتى في زمن الحاجة. وكثيرًا ما كان يردد مقولة: "الغنى مش بالمال، الغنى بالرضا".
انعكاس قسوة المجتمع
قصة هذا الرجل ليست مجرد مأساة فردية، بل هي انعكاس لمشكلة اجتماعية أكبر. ففي مجتمعاتنا، يُترك الكثير من العجائز الفقراء لمصيرهم المجهول. ينشغل الأبناء بحياتهم، وتنسى المؤسسات دورها، فنجد مثل هذا الرجل يعاني بصمت، وكأن وجوده أصبح غير مرئي. الفقر في حد ذاته ليس عيبًا، لكن العيب أن نترك الفقراء بلا عون ولا دعم، وأن نتجاهل أصواتهم المبحوحة.
الجانب الإنساني في المعاناة
رغم فقره المدقع، كان قلب الرجل العجوز مليئًا بالحب. كان يبتسم للأطفال حين يمرون بجانبه، ويبارك لهم ضحكاتهم البريئة. كان يرى فيهم امتدادًا للأمل، وكأن حياته لم تذهب هباء. لم يعرف الحقد، ولم يحمل ضغينة تجاه من امتلكوا ما حُرم منه. بالعكس، كان يردد أن السعادة لا تُقاس بما نملك، بل بما نشعر به من رضا وقناعة.
دروس من حكاية العجوز الفقير
هذه القصة تعلمنا دروسًا كثيرة، أهمها أن القوة الحقيقية ليست في المال أو الجسد، بل في القدرة على الصبر والرضا. كما أنها دعوة لنا كي نعيد النظر في تعاملنا مع الفقراء والمحتاجين. فالرحمة ليست صدقة فحسب، بل هي نظرة حانية، وكلمة طيبة، ويدٌ تمسح دمعة. العجوز الفقير لم يكن ينتظر الكثير، فقط بعض الإنسانية التي تجعله يشعر أنه ما زال جزءًا من هذا العالم.
مسؤوليتنا تجاه الضعفاء
من واجب كل فرد ومؤسسة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه العجائز والفقراء. فالمجتمع الذي يترك أضعف أفراده يواجهون مصيرهم وحدهم، هو مجتمع يفقد إنسانيته شيئًا فشيئًا. يجب أن تكون هناك مبادرات لدعم هؤلاء، لا فقط بالمساعدة المادية، بل أيضًا بتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية. فلا أحد يختار أن يكون فقيرًا أو عاجزًا، بل هي ظروف تفرضها الحياة.
خاتمة
الرجل العجوز الفقير لم يكن مجرد متسول في زاوية الشارع، بل كان رمزًا للصبر والإيمان وسط قسوة الحياة. قصته تحثنا على أن نعيد اكتشاف إنسانيتنا، وأن نمد أيدينا لمن يحتاجوننا. فربما تكون كلمة طيبة أو لقمة خبز أو لحظة اهتمام سببًا في إنقاذ روح أنهكها الزمن. في النهاية، الفقر ليس هو النهاية، بل البداية التي تذكرنا بأننا بشر، وبأن إنسانيتنا تقاس بمدى وقوفنا إلى جانب من لا يملكون شيئًا.