بذلة الغوص و الفراشة: الجزء العاشر

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء العاشر

0 المراجعات

الملاك الحارس 


كتب على الشارة المثبتة على الميدعة البيضاء لساندرين: «أخصائية النطق»، ولكن وجب قراءتها: الملاك الحارس. هي من وضعت شفرة التواصل التي لولاها لغزلت عن العالم. للأسف!! لئن تبنى كل أصدقائي هذا النظام بعد المران، فهنا في المستشفى، لا أحد يمارسه سوی ساندرين واختصاصية علم النفس. أغلب الوقت لم أكن أملك سوى ذخيرة هزيلة من الإيماءات والغمزات وهزات الرأس طلبا لغلق الباب، أو لإصلاح شافط دورة المياه، أو لخفض صوت التلفاز أو لإعادة وضع الوسادة. وطبعا لم أنجح في كل المحاولات.


بمرور الأسابيع، جعلتني وحدتي القسرية أكتسب بعض الرصانة وأفهم أن البشر في المستشفيات ينقسمون إلى نوعين.

أغلبية لا يتخطون العتبة دون محاولة تأمل إشارت الاستغاثة SOS، والآخرون الأقل ضميرا يغادرون مدعين أنهم لم يلحظوا تلك الإشارات، مثل ذلك الأبله الظريف الذي أطفأ التلفاز دون استئذان، أثناء بث مقابلة
كرة قدم بين بوردو وميونيخ ما يزال فيها شوط كامل، ليتكرم علي بـ«تصبح على خير».


بعيدا عن صعوبات التطبيق، كان لتعطل التواصل وطأته علي.

لذا لم أكن أشعر بالسلوى سوى مرتين في اليوم، عندما تدق ساندرين الباب، وتدخل -بسحنة سنجاب أخذ على حين غرة- لتطرد دفعة واحدة كل الأرواح الشريرة، فتغدو بذلة الغوص الخفية التي تقيدني طوال الوقت أقل ثقلا.


أعتقد أن علم علاج النطق علم جدير بالمتابعة. لن تتخيل الحركات الجمبازية المؤداة آليا من طرف لسانك لإنتاج كل تلك
الأصوات في اللغة الفرنسية. في الوقت الحالي أعاند الـمسكين رئيس التحرير الذي لم يعد يحسن لفظ اسم مجلته.

في أيام الحظ، أجد الجهد والطاقة لأجهر - بين سعلة وأخرى - ببعض المقاطع الصوتية. نجحت ساندرين يوم عيد ميلادي في
إنطاقي الأبجدية بشكل جلي. كانت أفضل هدية ممكنة. سمعت الستة و عشرين حرفا المجتبة من العدم تلفظ بصوت مبحوح آت من
أعماق العمر. خلف في هذا التمرين الشاق انطباعا بأني رجل كهوف
بصدد اكتشاف اللغة. أحيانا كان الهاتف يقطع أعمالنا. هل أستعين
بساندرين لأتمكن من مهاتفة بعض المقربين وأقبض على بقايا الحياة
الطائرة كمن يوقع بفراشة؟
تقص علي ابنتي سيليست – وسنحتفل بعد خمسة أشهر بعيد
ميلادها التاسع - تفاصيل طوافها على ظهر فرس قزم. بينما يفسّر لي
أبي الصعوبات التي يلقاها كلما حاول الوقوف على ساقيه لا سيما
وأنه الآن يتخطى بشجاعة عامه الثالث بعد التسعين. هما الحلقتان
الأخيرتان من سلسلة الحب التي تحيطني وتحميني. أتساءل باستمرار
(1) كان رئيس تحرير مجلة فرنسية «ELLE» يشبه نطق اسم مجلته حرف ..

عن مدى تأثير هذه الحوارات ذات الاتجاه الواحد على محاوري. أما
أنا، فتوقعني مكالماتهم الرقيقة في حيرة. إذ أريد أن أقابلهم بشيء آخر
غير صمتي. من جهة أخرى، هناك من يجد الأمر غير قابل للاحتمال.
الرقيقة فلورنس مثلا لا تكلمني إلا إذا تنفست بصوت مسموع في
الساعة الموضوعة من قبل ساندرين على أذني «جان دو، هل هنا؟» تعبر فلورنس عن قلقها عبر الهاتف.
وعلي الاعتراف بأنني في أحيان كثيرة لا أملك إجابة قاطعة.
أنت

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

460

متابعين

610

متابعهم

115

مقالات مشابة