"النافذة التي لا تُغلق… حتى تبتلعك"

"النافذة التي لا تُغلق… حتى تبتلعك"

0 المراجعات

النافذة التي لا تُغلق… ولا تُغفر

كانت ليلة شتوية خانقة، والسماء ملبدة بغيوم ثقيلة تحجب القمر تمامًا. قطرات المطر كانت تضرب الزجاج بعنف، بينما الرياح تصفر بين شقوق المباني القديمة. في تلك الليلة، جلست "ميّ" وحيدة في شقتها الجديدة، التي انتقلت إليها منذ أسبوعين فقط.

المبنى قديم، جدرانه متشققة، والسلالم تصدر صريرًا مزعجًا مع كل خطوة. معظم الجيران كبار في السن، ونادرًا ما تلتقي بهم. كانت تحاول أن تتأقلم مع المكان، لكن هناك شيء واحد ظل يزعجها منذ أول يوم… نافذة غرفة المعيشة.

النافذة لم تكن كأي نافذة أخرى في الشقة. إطارها الخشبي متآكل، والزجاج يبدو وكأنه عالق بين زمنين، يكسوه ضباب خفيف من الداخل حتى في النهار. حاولت إغلاقها بإحكام أكثر من مرة، حتى أنها وضعت شريطًا لاصقًا، لكن دائمًا ما كانت تُفتح قليلًا من تلقاء نفسها… وكأنها تتنفس.

في البداية، ظنت أن السبب تيارات هوائية أو خلل في الإطار، لكنها بدأت تسمع أصواتًا خافتة ليلاً، همسات متقطعة تأتي من ورائها. لم تستطع تمييز الكلمات، لكنها كانت تشعر أنها موجهة إليها، وأن هناك من يقف خلف الزجاج… يراقبها.

في الليلة الخامسة، استيقظت فجأة على صوت تمزق الشريط اللاصق. قلبها بدأ يخفق بسرعة، وابتلع حلقها الهواء بصعوبة. التفتت نحو النافذة… ورأت ما لم تتوقعه.

الشارع الذي اعتادت رؤيته لم يكن موجودًا. بدلًا منه، كان هناك ممر طويل مضاء بضوء أحمر باهت، جدرانه متآكلة، ويتساقط منها سائل أسود كثيف. في نهايته، وقف ظل طويل للغاية، رأسه مائل قليلًا، ويداه أطول من الطبيعي، تتدلى بجانبه. لم تكن له ملامح واضحة، لكن إحساسًا ثقيلًا بالخطر ملأ الغرفة.

هبّت واقفة، والهواء القادم من الممر اندفع نحوها، لكنه لم يكن هواءً باردًا عاديًا. كان ثقيلاً، كأن آلاف الأيدي الخفية تضغط على صدرها، تبطئ ضربات قلبها، وتجمد الدم في عروقها. ومع كل خطوة يخطوها الظل، كان صداها يخترق أذنها، لكنه لم يأتِ من الخارج… بل من داخل رأسها.

حاولت الصراخ، لكن فمها لم يُصدر صوتًا. دفعت النافذة بكل قوتها، وأغلقتها، لكن قبل أن ينطبق الزجاج تمامًا، اقترب وجه الظل حتى كاد يلامسها، وسمعت صوته الخافت الحاد يهمس عند أذنها: "قريبًا…"

مرت الأيام، لكن الأمر لم ينتهِ. كل صباح، كانت تنظر إلى النافذة، فتجد الممر الأحمر أوضح، والظل أقرب. وفي اليوم السابع، لم يكن الظل في الممر. كانت تنظر إلى النافذة فترى انعكاسها… لكن خلفها كان يقف هو، في الغرفة، بلا صوت.

ارتجفت وهي تلتفت فجأة، لكنها لم تجد أحدًا. عندما أعادت نظرها إلى الزجاج، رأت أن الشارع قد عاد، لكن شيئًا في الزجاج تغيّر… كان ينحني في شكل ابتسامة شريرة، وكأن الزجاج نفسه يفرح بما يحدث.

في تلك الليلة، جلست بعيدًا عن النافذة، تحاول ألا تنظر إليها. لكن الساعة الثالثة فجراً، سمعت صوت زجاج يتحرك. التفتت، ورأت النافذة تفتح من تلقاء نفسها ببطء، والهواء الثقيل يملأ الغرفة. قبل أن تتحرك، اندفع الظل من الممر نحوها، وسحبها إلى الداخل، وسط صرخة لم يسمعها أحد.

في الصباح، وجد الجيران الشقة فارغة. كل شيء في مكانه، إلا النافذة… كانت مفتوحة قليلًا. بعضهم قال إنه في الليالي الماطرة، يمكن رؤية وجه يطل من هناك، يلوح ببطء، وعيناه مظلمتان كالفجوة. ومن يقترب أكثر… يسمع همسًا باردًا يخترق قلبه: "دورك قادم".

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

6

متابعهم

3

متابعهم

3

مقالات مشابة