"البيت الذي يبتلع الأرواح"

"البيت الذي يبتلع الأرواح"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

البيت الذي لا ينام

يقولون إن البيوت تحفظ ذكريات ساكنيها، بعضها يحمل الدفء والحنين، وبعضها الآخر يصبح مقبرة للأسرار والصرخات المكتومة. لكن البيت الذي يقف على أطراف القرية لم يكن مجرد جدران قديمة… كان كيانًا حيًّا، يتنفس، يتألم، ويراقب كل من يجرؤ على الاقتراب منه.

يقع البيت في منطقة نائية، طريق ضيق تحيطه الأشجار الكثيفة المؤدية إليه، كأنه معزول عمدًا عن بقية العالم. النوافذ محطمة، والبوابة الحديدية تصدر صريرًا مع كل نسمة ريح. الجدران متشققة، لكن رغم مرور السنين، يقف شامخًا كأنه يتحدى الزمن. أهل القرية يتفادون المرور بجانبه ليلًا، ويقسمون أنهم يسمعون همسات تأتي من الداخل، أصوات خطوات بطيئة على الأرض الخشبية، وحتى صرخات مكتومة لا تشبه صوتًا بشريًا.

أحد كبار السن في القرية قال ذات مرة:
"هذا البيت لا ينام… هو مثل وحش ينتظر فريسته."

بداية اللعنة

القصة بدأت قبل أكثر من نصف قرن، عندما عاشت فيه عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال. لم يخرج أحد منهم يومًا، وكأنهم اختفوا من العالم. يقال إن الجيران سمعوا صرخات متواصلة في إحدى الليالي، لكن عندما اقتربوا، وجدوا الأبواب مغلقة بإحكام، والنوافذ مغطاة بستائر سوداء سميكة. في الصباح التالي، لم يظهر أي فرد من العائلة مجددًا. ومنذ تلك اللحظة، بقي البيت فارغًا… أو هكذا ظنوا.

دخول مروان

في عصرنا الحالي، جاء شاب يُدعى مروان، مغامر يعشق قصص الرعب والظواهر الغامضة. حين سمع عن البيت، قرر الدخول متحديًا خوف أهل القرية. كان يقول بثقة:
"كل ده مجرد خرافات… البيت في الآخر جدران وخشب متعفن، مش أكتر."

اقترب مروان من البوابة الحديدية، ودفعها بصعوبة. صوتها المعدني دوّى في أرجاء المكان كأنه جرس إنذار. الهواء كان أثقل كلما اقترب من الباب الرئيسي، ورائحة عفن ممتزجة بدخان قديم تملأ أنفه. دفع الباب، فصدر صرير طويل مزّق سكون الليل.

الداخل بدا أشبه بقبر واسع: الجدران مغطاة بعلامات سوداء غامضة، الأثاث مهشم لكن ما زال في مكانه، والستائر الممزقة تتحرك رغم أن النوافذ مغلقة. في ركن الغرفة، كان هناك كرسي هزاز يتحرك ببطء دون أن يلمسه أحد.

مواجهة المرآة

بينما يتجول، لفت نظره مرآة ضخمة مغطاة بطبقة سميكة من الغبار. اقترب ومسح سطحها بيده المرتجفة، فرأى انعكاسه… لكن الغريب أن العيون في المرآة لم تتحرك معه. كانت تحدق فيه مباشرة ببرود، بينما جسده في الواقع يرتعش. حاول أن يضحك ليكسر خوفه، لكن "انعكاسه" ظل صامتًا، ثم بدأ يبتسم ابتسامة لم يرها على وجهه من قبل.

تراجع بسرعة، وسمع في تلك اللحظة همسات خافتة تخرج من الجدران: أصوات كثيرة، كأنها محادثات بين أشخاص غير مرئيين. ثم اندمجت الأصوات لتتحول إلى كلمة واحدة تتكرر:
"مروان… مروان…"

ارتجف قلبه، وأحس أنه مراقب من كل زاوية.

اللحظة الأخيرة

حاول مروان مغادرة البيت، لكن الباب الذي دخله أغلق من تلقاء نفسه. طرقه بجنون، لكن كل ما قابله كان صدى صرخاته. فجأة، شعر بخطوات تقترب منه من الخلف. التفت بسرعة، فلم يجد أحدًا… سوى ظل طويل ممتد على الجدار، لا يشبه جسده.

الظل تحرك ببطء، واقترب من المرآة. هناك، رأى مروان شيئًا لم يستطع وصفه: انعكاسه يبتسم، بينما يده في المرآة تمتد نحوه كأنها ستخرج للواقع. صرخ محاولًا التراجع، لكن الأرضية تحت قدميه بدت وكأنها تبتلعه.

آخر ما سُمع من مروان كان صرخة مكتومة اهتز لها البيت بأكمله.

ما بعد مروان

في اليوم التالي، وجد أهل القرية حقيبته الصغيرة ملقاة عند المدخل، لكن لم يكن له أي أثر. منذ تلك الليلة، تغيّر البيت. أضواؤه الخافتة تُرى من النوافذ المكسورة، وضحكات مكتومة تملأ الليل. بعض المارة يؤكدون أنهم يرون شابًا يقف خلف الزجاج، يحدق فيهم بابتسامة باهتة… يشبه مروان كثيرًا.

القرية بأكملها باتت تؤمن أن البيت لا يبتلع أجسادًا فقط، بل يسحب أرواحًا، ويضيفها إلى "سكانه" الذين لا ينامون أبدًا.

وحتى الآن، يظل البيت واقفًا، لا يهدمه الزمن، وكأن شيئًا خفيًا يحميه. البعض يقول إنه وحش جائع، والبعض الآخر يؤمن أنه بوابة لعالم آخر. لكن المؤكد أن كل من دخل… لم يعد كما كان.

السؤال الحقيقي: هل البيت ينتظر ضحية جديدة؟ أم أن مروان ليس الأخير…؟

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

10

متابعهم

5

متابعهم

6

مقالات مشابة
-