"المستشفى الذي لا يغلق أبوابه… ولا يعيد زواره"

"المستشفى الذي لا يغلق أبوابه… ولا يعيد زواره"

0 المراجعات

المستشفى الذي لا يغلق أبوابه

على حافة المدينة، حيث ينتهي ضوء الشوارع وتبدأ العتمة الكاملة، يقف مبنى ضخم يكسوه الغبار والخراب. جدرانه الرمادية باهتة وكأنها فقدت لونها منذ زمن، والدهان المتقشر يكشف عن طبقات قديمة من الإسمنت، أما النوافذ العليا فهي سوداء تمامًا، أشبه بمدنّيات مفتوحة على فراغ أبدي.
كان هذا المكان في الماضي مستشفىً حكوميًا كبيرًا، يعج بالمرضى والأطباء، لكنه أُغلق منذ أكثر من ثلاثين عامًا بعد سلسلة حوادث غامضة، لم يُعلن عنها رسميًا، لكن همسات الناس كانت تقول إن شيئًا شريرًا سكنه… وما زال هناك.

"ليلى" صحفية شابة تبحث دائمًا عن القصص الغامضة. كانت تحب نبش الملفات القديمة، والبحث عن الحقائق المدفونة. سمعت عن هذا المستشفى من عجوز في السوق، حكت لها أن أبوابه لا تُغلق أبدًا، وأن كل من يدخل بعد منتصف الليل… لا يخرج أبدًا.
تملكها الفضول، وقررت أن تزوره بنفسها، لتعرف ما إذا كانت تلك مجرد أساطير… أم أن هناك سرًا أخطر.

وصلت إلى المكان قبل منتصف الليل بخمس عشرة دقيقة. البوابة الحديدية، الضخمة والمصبوغة بالصدأ، كانت مفتوحة بالكامل، والريح تدفعها ذهابًا وإيابًا لتصدر صريرًا عميقًا يبعث القشعريرة في الجسد. أخرجت كشافًا صغيرًا من حقيبتها، وتقدمت بخطوات بطيئة.
منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها، ضرب أنفها مزيج خانق من رائحة العفن والرطوبة والدواء القديم، وكأن الزمن تجمد هنا منذ عقود. الممرات طويلة، مظلمة، والجدران ملطخة بخطوط حمراء متعرجة، بعضها داكن اللون وكأنه دم جف منذ سنوات.

كل شيء كان ساكنًا بشكل غير طبيعي… حتى بدأت تسمع أصوات خطوات. كانت بطيئة وثقيلة، تأتي من خلفها. توقفت فجأة، فتوقف الصوت. أدارت رأسها ببطء، لكن الممر كان فارغًا.
ابتلعت ريقها، وواصلت المشي. لم تمر سوى ثوانٍ حتى عادت الخطوات، أقرب هذه المرة، متطابقة تمامًا مع سرعة خطواتها، كأن شخصًا غير مرئي يسير خلفها، يحرص على ألا يبتعد.

انحرفت إلى ممر جانبي، ودخلت غرفة عمليات قديمة. الأدوات الصدئة ما زالت على الطاولات، والمصابيح المعلقة تتدلى من الأسقف بأسلاك مكشوفة، تتأرجح قليلًا بفعل تيار هواء بارد. في وسط الغرفة، على الطاولة المعدنية، كان هناك ملف أبيض كبير، منتفخ وكأنه يحتوي على شيء بحجم جسد إنسان.
تقدمت ببطء، قلبها يخفق بعنف. مدت يدها لتزيح الغطاء، لكن قبل أن تلمسه، انفتح فجأة من تلقاء نفسه… ليكشف عن فراغ تام.

شعرت بقشعريرة تسري في عمودها الفقري، وفي تلك اللحظة بدأ الكشاف يومض بعشوائية، وكأن البطارية تلفظ أنفاسها الأخيرة. وفي ومضة قصيرة من الظلام، رأت في زاوية الغرفة ممرضة قديمة المظهر، زيها ملطخ بالدماء، ووجهها بلا عينين… فقط جلد مشدود على محجرين فارغين.
كانت الممرضة تميل برأسها يمينًا ويسارًا، كما لو كانت تفحص فريسة جديدة.

صرخت ليلى، واندفعت هاربة عبر الممرات، لكن شيئًا غريبًا كان يحدث… كل ممر تصل إليه يقودها مرة أخرى إلى نفس غرفة العمليات. في كل مرة تدخل، كانت الممرضة أقرب، وصوت خطواتها يملأ الصمت.

في المرة الخامسة، وقفت الممرضة أمامها مباشرة. لم تتحرك، لكنها همست بصوت بارد ميت:
"الدخول سهل… الخروج ممنوع".

شعرت ليلى بيد جليدية تلتف حول عنقها، وضغط بارد يسحب آخر أنفاسها، وكل شيء غرق في الظلام.

في صباح اليوم التالي، جاء الحارس كعادته ليتفقد المكان. وجد البوابة مفتوحة، كما هو دائمًا، والهدوء يلف المستشفى. لكنه حين دخل غرفة العمليات، تجمد في مكانه…
على الطاولة المعدنية كانت هناك جثة جديدة، ملفوفة بغطاء المستشفى الأبيض، وبداخل جيبها… كشاف صغير ما زال يومض.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

6

متابعهم

3

متابعهم

3

مقالات مشابة