
"لا تطرق الباب السابع"
الغرفه رقم 7
في قلب المدينة القديمة، حيث الشوارع ضيقة مضاءة بمصابيح صفراء بالكاد تقاوم العتمة، يقف فندق صغير يوشك أن ينهار من قِدمه. جدرانه متآكلة، وسقفه يرشح ماءً كلما أمطرت السماء، ورغم ذلك ما زال يستقبل النزلاء العابرين. لكن سرًّا ثقيلًا يختبئ بين طوابقه: غرفة تحمل الرقم 7.
هذه الغرفة لا يقيم فيها أحد طويلًا. كل من دخلها خرج مذعورًا قبل أن يكتمل الليل، عدا أولئك الذين لم يخرجوا على الإطلاق. إدارة الفندق تحاول التهرب من ذكرها، لكنها لا تغلقها، كأن قوة خفية تمنعهم من ذلك. الأغرب أن الباب دائمًا يظل سليمًا، رغم محاولات كثيرة لكسره أو طلائه أو حتى تغيير رقمه… لكن الرقم الأسود يعود للظهور في صباح اليوم التالي.
الليلة المشؤومة
القصة الأشهر عن رجل يُدعى خالد. كان مسافرًا يبحث عن مكان يقضي فيه ليلته، ودخل الفندق متأخرًا، منهكًا بعد رحلة طويلة. حين عرض عليه موظف الاستقبال غرفة رقم 3، لمح خالد مفتاحًا مختلفًا معلقًا على الحائط، يعلوه الرقم 7. سأل الموظف عنه، فارتبك وقال بسرعة:
"دي غرفة غير صالحة يا فندم… أفضل نديك أي غرفة تانية."
لكن العناد دفع خالد للإصرار، ظانًا أن الأمر مجرد خرافة سخيفة يرددها الناس. ابتسم بثقة وقال:
"أنا هدخلها، ونشوف إيه اللي ممكن يحصل."
بداية الرعب
دخل الغرفة، بدا كل شيء طبيعيًا: سرير قديم، ستائر سميكة بلون أحمر باهت، ومصباح يتدلّى من السقف. لكن أول ما لفت انتباهه كان مرآة كبيرة تواجه السرير مباشرة. انعكاسه فيها بدا غريبًا، كأن الضوء يلتف حوله بطريقة غير طبيعية.
في البداية حاول تجاهل الأمر، لكنه مع مرور الوقت بدأ يشعر أن الغرفة "تتنفس". الهواء ثقيل، ورائحة غريبة تشبه الحديد الصدئ تملأ المكان. عند منتصف الليل، انطفأ المصباح فجأة، تاركًا الغرفة في ظلام دامس، باستثناء نور باهت من تحت الباب.
ثم جاء الصوت: ثلاث طرقات بطيئة، واضحة، على الباب.
خالد تجمد مكانه، تردد لثوانٍ قبل أن يفتح. لكن حين فتح الباب لم يجد أحدًا. الممر فارغ، صامت، وكأن الفندق كله اختفى.
المرآة التي تخون
عاد للغرفة متوترًا، وألقى نظرة خاطفة على المرآة… فتجمد الدم في عروقه. انعكاسه لم يعد يقف كما هو، بل جلس على السرير، مبتسمًا ابتسامة باردة. حاول أن يضحك لنفسه قائلاً:
"شكلي تعبان… يمكن بخرف."
لكنه لم يكد ينهي جملته حتى تحرك "انعكاسه" من تلقاء نفسه. رفع يده، ولوّح له ببطء. خالد لم يتحرك، لكنه رأى يده الأخرى في المرآة ترتفع هي أيضًا، وكأن صورته أصبحت كيانًا مستقلًا عنه.
السقوط في الفخ
حاول خالد الخروج، لكن الباب أغلق من تلقاء نفسه. قبض على المقبض فوجد حرارته باردة بشكل مؤلم، كأنها جليد يلسع يده. صرخ يطلب المساعدة، لكن صوته تردد داخل الغرفة فقط، دون أن يخرج منها.
الهمسات بدأت تملأ المكان. أصوات كثيرة متداخلة، بعضها يضحك، بعضها يبكي، وأخرى تهمس بوضوح:
"لا أحد يغادر الغرفة رقم 7… لا أحد…"
في تلك اللحظة، انفتح باب الخزانة الخشبية ببطء، وصوت صريرها الحاد مزّق أذنه. من الداخل لم يكن هناك ملابس أو رفوف، بل ظلام مطلق كأنها بوابة إلى فراغ لا نهائي.
ثم رأى شيئًا يتحرك في الظلام: يد بيضاء هزيلة، تتدلى منها أصابع طويلة. تقدمت ببطء، وأمسكت بطرف السرير.
خالد تراجع حتى التصق ظهره بالجدار، لكنه حين نظر للمرآة وجد انعكاسه يبتسم أكثر… ثم أدار رأسه نحوه، وكأنه ينظر مباشرة لعينيه خارج المرآة.
النهاية
في اليوم التالي، عندما فتحت إدارة الفندق الغرفة، لم يجدوا خالد. كان السرير غير مرتب، والمفتاح موضوعًا على الطاولة، لكن الغرفة فارغة تمامًا. الشيء الوحيد المختلف أن المرآة صارت مغطاة بطبقة جديدة من الضباب، تظهر عليها آثار يد مرتسمة بوضوح، كأن أحدهم حاول الخروج من داخلها.
منذ تلك الليلة، أصبح المرور أمام الغرفة رقم 7 كابوسًا للنزلاء. بعضهم يقسم أنه يسمع همسات من الداخل، والبعض الآخر يرى ظلًا يتحرك خلف الستائر الحمراء. والأغرب أن بعض النزلاء قالوا إنهم لمحوا وجه خالد يطل من المرآة، مبتسمًا بنفس ابتسامته الأخيرة.
الغرفة ما زالت موجودة، مفتوحة، تنتظر ضحية جديدة. لكن الجميع في الفندق يهمسون بتحذير واحد متفق عليه:
“إذا رأيت الرقم 7… لا تطرق بابه.”