بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثاني عشر

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الثاني عشر

0 المراجعات

صدفة أخرى 

لو سألنا قراء ألكسندر دوما عن أيا من شخصياته يرغبون بإعادة تقمصها، سيؤول التصويت إلى دارتانيان أو إدموند دانتس، و لا أحد سيخطر على باله علي الإطلاق أن يختار نوارتييه دو فيلفور، الوجه الأكثر كآبة في رواية «الكونت دي مونتي كريستو» و قد صوره الكاتب جثة بنظرة حية، أو بالأحرى رجلا صيغ في ثلاثة أرباعه للقبر.

و  لم يكن هذا المعوق العميق يبعث على الحلم بل يبعث على الارتجاف.

مستودع هزيل و أخرس للأسرار الأكثر إخافة، يقضي حياته البائسة فوق كرسي بعجلات و لا يتواصل مع الآخرين إلا عبر رمش عينيه: غمزة
واحدة تعني «نعم»، و اثنتان تعنيان «لا».

و في الواقع، يعتبر «الجد نوارتييه» - على حد تسمية حفيدته له بكل ود أول حالة لمتلازمة
المنحبس، فضلا عن أنه الوحيد الذي ظهر إلى حد الآن في الأدب.


و ما إن تخلص وعيي من العتمة الحالكة التي ألقى به الحادث فيها، حتى رحت أفكر في الجد نوارتييه.

و من ثمة بدأت بإعادة قراءة «الكونت دي مونتي كريستو»، و ها أنني أجد نفسي في قلب الكتاب، عند أعظم وضعيات الجسم كدرا.

لم أختر هذه القراءة اعتباطا، كان لدي مشروع، محطم للتماثيل و لا شك، يتمثل في إعادة كتابة الرواية بطريقة معاصرة: يبقى الانتقام بطبيعة الحال محركا للحبكة، لكن تدور الأحداث في عصرنا الحاضر و يكون مونتي كريستو امرأة.


و لا أملك الوقت لاقتراف هذه الجريمة المطعون فيها، أما عن العقوبة فكنت أفضل التحول إلى البارون دانجلرز، أو فرانس دي
بيني، أو الأب فاريا، أو جميعهم، مع وجوب نسخ عشرة آلاف مرة العبارة التالية:

لا نمزح البتة مع الروائع. 

و لكن أرباب الأدب و طب الأعصاب كان لهم قرار آخر.
و في بعض الأمسيات كان يحصل لدي انطباع بأن الجد نوارتييه جاء يعاين أروقتنا، بشعره الأبيض الطويل و كرسيه ذي العجلات العتيقة المحتاجة لقطرة زيت.

و تدور في رأسي -حاليا - ملحمة كبرى تهدف لإعادة النظر في مراسيم القدر فيكون الشاهد الأساسي فيها قادرا على الركض بدلاً عن مشلول، من يدري ربما نجحت.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

متابعين

610

متابعهم

115

مقالات مشابة